د.عبد النبي بوالعرب
اليوم وقد عين الملك شخصا أخر لتشكيل الحكومة الجديدة في شخص السيد سعد الدين العثماني، وبعد أن صرح السيد رئيس الحكومة المعفى بأن عبد الإله بنكيران انتهى بالنسبة للحكومة، وإذ يبدو أن المشهد السياسي الوطني دخل فعليا في مرحلة جديدة يمكن أن نسميها “ما بعد البنكيرانية”، يمكن أن تتيسر لنا محاولة فهم طبيعة “البلوكاج”، الذي أوقف البلاد لما يزيد عن خمسة أشهر وأن ننجح في رفع اللبس عن أسبابه الحقيقية.
في هذا السياق، من الخلاصات الأساسية التي يمكن أن نسجلها بخصوص المبادرة الملكية، خاصة فيما يتعلق بتشبث الملك باحترام الدستور بالعودة إلى العدالة والتنمية كحزب فائز بالانتخابات وتعيين شخصية أخرى منه لتشكيل الحكومة، وتأكيده في نفس المنحى على رغبته في العمل مع هذا الحزب الوطني المهم، هو تكذيب أناجيم بعض الأقلام المتحاملة التي تريد أن تحشر المؤسسة الملكية في أجنداتها التي تعمل ضد حزب العدالة والتنمية.
لذا يجب البحث عن أسباب هذا البلوكاج بين الأطراف الأخرى التي كانت معنية بتشكيل الحكومة، لنتساءل، لماذا تعاملت الأحزاب التي اصطدم بها تشكيل الحكومة كتكثل تجمعه “وحدة المصير”، وانزوت في موقف موحد يعبر عن شعار هدام “لهلا تشًكًل هاد الحكومة” ؟
هذا سؤال مهم يعيدنا إلى قراءة التطورات العميقة التي تعيد تشكيل المشهد السياسي الوطني، والتي تضعنا أمام تحولات تقودنا لا محالة إلى مرحلة سياسية جديدة، بدأت مؤكدا مع انطلاق شعلة 20 فبراير، ومن معالمها الأساسية دخول عدد من الأحزاب في منحدر الموت المحتم إن هي فشلت في إعادة بناء ذاتها وفي بعث روحها التي تسللت إليها سكرات الموت.
أليس هذا المصير الحتمي نحو الموت هو ما دفع هذه الأحزاب إلى هذه الهزة العنيفة ضد الذي يقودها إلى هذا الأفق المحتوم بشعبيته الكاسحة، السيد بنكيران؟ هذا الذي قاد العدالة والتنمية إلى نجاحات تاريخية، واستطاع إعادة بناء المشهد السياسي وفق معطيات ومحددات وقواعد جديدة، أفرغت تقريبا منظومة الأحزاب التقليدية من محتواها ودفعتها إلى الإفلاس في سوق السياسة والانتخابات.
فرفض بنكيران هو رفض لهذا المصير الحتمي الذي تتقدم إليه جل الأحزاب التي تعيش اليوم حالة اضمحلال وشيخوخة ملحوظة، شهدت عليها نتائج الانتخابات الجماعية والتشريعية التي كانت نتائجها كارثية بالنسبة لها، بعكس العدالة والتنمية الذي رفع شعبيته وعزز زعامته.
بالتأكيد، هذا أحد السياقات والفرضيات التي يمكن أن نفهم من خلالها انتفاضة هؤلاء ضد هذا الزعيم الذي يقودهم إلى مقبرة التاريخ، حيث تجلْى أن همهم الأول هو الإطاحة بأي ثمن بهذا “الكلادياتور السياسي” (Gladiator Politique) كمشروع مصيري وحد أحزاب البلوكاج، من خلال استراتيجية الاقتحام الجماعية للقلعة الحكومية، لهدمها من الداخل، بالقضاء على بنكيران الزعيم، القائد، الحر، واستبداله ببنكيران المكبل، المكمم، المثقل، الممنوع من الحركة والكلام.
أما استمرار “البلوكاج” لما يفوق خمسة أشهر فهو معناه أنه دون هذه الاستراتيجية، لم يكن لهذه الأطراف بديل أخر إلا منع تشكيل الحكومة، حتى لا يكون بنكيران، لأن ذلك يعني بالضرورة مصيرها المحتوم نحو الانقراض السياسي.