د. رشيد لزرق*

إن اتجاه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية نحو إقرار نظام الاقتراع باللائحة لانتخاب أجهزته التنفيذية، كخطوة لتجاوز عيوب نظام الاقتراع المعتمد في المؤتمر التاسع، والذي ساهم في تفتيت الاتحاد عوض تقويته، و عمل على بلورة سيطرة فرد، عوض المؤسسات و لم يجعل للتوافقات سبيلا، وبدل بروز حزب المؤسسات هيمن شخص الكاتب الأول، هذه الهيمنة ضربت في العمق الفكرة الاتحادية، التي لا يمكن أن تلخص في شخص مهما كان دوره في الهرم التنظيمي، لأن قوامها في تنوعها من حيث الرؤى، هذا التنوع لا يمكن احتوائه من خلال فرد الزعيم؛ لأن جوهر الفكرة الاتحادية في عمقها الديمقراطي الحداثي تميل لممارسة التعاقد كقيمة سياسية، و إعمال الديمقراطية كفعل يومي وممارسة داخلية، و لهذا عجز حكم الفرد عن تحقيق التحول المنشود، كلنا عاينا الحروب التنظيمية التي برزت إبان المؤتمر التاسع؛ دخول الاتحاديين في حرب أهلية لم تتمكن معها شخصيات الصراع تدبيره بطريقة ديمقراطية؛ و بسبب تباين الرؤى و سعي كل طرف إلى الهيمنة على التنظيم بدون فكر، هاجسهم تحقيق نصر تنظيمي بدل ترجمة الفكرة الديمقراطية و القيم التقدمية كممارسة يومية .نمط الاقتراع لانتخاب الكاتب الأول أجج البعد الإقصائي، مما جعل الاتحاديين يدخلون في حرب وجودية وتنظيمية؛ ففوز لشكر اعتبره البعض وسيلة لتصفية حسابات الماضي بحس انتقامي؛ مما جعله كشخص عاجز عن لعب دور الموحد؛ فإندلعت حرب قادة الطوائف الاتحادية؛ سحقت هذه الدوامة التنظيمية أصحاب الأفكار و برزت ظاهرة جهابذة التنظيم، مما ساهم في بروز ظواهر المسخ السياسي و الانسداد المؤسساتي. عجزت البنية الاتحادية عن توفير قنوات استقبال للجيل الجديد، وبات مقر العرعار معزولا عن القوات الشعبية الحقيقية.
لتجاوز هدا الوضع يجب ان ينكب الاتحاديون و الاتحاديات على تغيير نظام الانتخاب في اتجاه تمكين مختلف التعبيرات والحساسيات من التمثيل داخل تلك الأجهزة، و الدفع بقوة في طريق تقوية الحزب تنظيميا.
كما يمكن أن يؤسس الإطار الذي على أساسه يمكن أن يتشكل إغراء للحركة الاتحادية من أجل العودة لمكانها الطبيعي، لبناء الحزب الاشتراكي الكبير؛ تمكن من تكاثف الجهود في ترجمة الرسالة الاتحادية عبر توحيد كل مكوناتها .. بعيدا عن واقع الاندماج الذي حصل و الذي هو في الحقيقة اندماج لشخص قادته أحلامه التنظيمية لقيادة تأسيس حزب، و بعد ولاية عاد للاتحاد بدون قيمة مضافة سياسية أو انتخابية، هذا الاندماج ذو التكلفة السياسية و المالية لم يكن له عائد سياسي و لا انتخابي بل شوه فكرة الاندماج.
وقبل الانكباب على إبراز خصائص الاقتراع باللائحة نرى من الضروري الإشارة إلى أن نمط الاقتراع هو أسلوب تقني لممارسة العملية الانتخابية، والتي تمكن الشخص المنتخب من ولوج مؤسسة الحزب، ( لا يغني عن قيام القيادة الحالية من القيام مكاشفة مع الاتحاديات و الاتحادين). وهو بذلك نمط الاقتراع يمكن أن يوظف من أجل تعميق الديمقراطية الحزبية وتعميق الخيار الديمقراطي، مما ينتج عنه تقوية المؤسسات التنظيمية في إطار تولي مهمته الأساسية في مواجهة جميع القضايا المطروحة عليه.
وسنحاول هنا التركيز على أسلوب الاقتراع باللائحة لما نرى فيه من مزايا يمكن أن تخرج الحزب من الوضع الحالي في اتجاه المأسسة ومواجهة كل مكامن الضعف التي ابانت عليها التجربة السابقة.
1- خصائص الاقتراع باللائحة
* يقوم على التمثيل النسبي حسب قاعدة أكبر بقايا.
* يقوم على عدم استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي(أي فوز أي مرشح بالأغلبية البسيطة /50+1) على توزيع المقاعد في دائرة انتخابية حسب النتائج التي تحصل عليها مختلف اللوائح المتنافسة.
* يتم توزيع جميع المقاعد بشكل كامل.
* يُلزِمُ مختلف اللوائح المشاركة أن تضمن عددا من المرشحين يساوي عدد المقاعد المتبارى عليها.
2 – إيجابيات الاقتراع باللائحة
يقلل من السمة الفردية للانتخاب حيث تغيب صورة الفرد ويظهر الحزب، وبغياب السمة الشخصية يبرز البرنامج، مما يجعل الحزب يقوم على أساس التدبير المؤسساتي عوض التدبير الفردي، وينتخب على أساس البرامج مما يعطي دفعة للحزب عبر تمهيد الطرق لبزوغ تيارات بشكل سلس، مما يوفر الإطار المناسب لمعالجة الاختلاف داخل الحزب وداخل مختلف تياراته الفكرية والسياسية، غير أن هذا الطرح يجب أن يتم إنضاجه عبر فتح نقاش عميق بين جميع الاتحاديين، للمحافظة على وحدة الحزب.
كما يمكن هذا الأسلوب من تفادي الصفات السلبية التي تظهر في الاقتراع الاسمي، مثل رمزية الشخص مما يعوق دون المؤسسة بحيث أن الاتحاد منذ إنشائه كانت شخصية الزعيم تطغى على قراراته مما شكل عائقا أمام تحديد اختصاصات الكاتب الأول، و المتمثلة بالأساس في كونه الممثل الرسمي للحزب والناطق الرسمي باسمه ومنسق أعماله، والمكلف بتدبير التفاوض مع الدولة ومع باقي الفرقاء السياسيين، واقتراح المرشحين باسم الحزب لشغل المناصب الحكومية والمناصب السامية المدنية بعد استشارة المكتب السياسي، كما أنه هو الرئيس المباشر للإدارة الحزبية، ويخول له الحق في التعيين والإقالة والتأديب في الوظائف في الإدارة الحزبية.
بحيث من شأن هذا الأسلوب من الاقتراع إضفاء البعد التعاقدي والذي سيمكن الحزب من المرور من الشرعية التاريخية للكاتب الأول إلى الشرعية التعاقدية.
و أقد أعطى المؤتمر الثامن بوادر ذلك في طريقة انتخاب الكاتب الأول للاتحاد، غير أن هذه الخطوات تستلزم الدفع بها في اتجاه تحوّل مهم يواكب التطورات التي عرفها المغرب، والتي باتت تفرض نفسها من خلال التحول من المشروعية التاريخية إلى المشروعية التعاقدية، أو التي تقتضي وضع مساطر ومقاييس مضبوطة لانتخاب أجهزته، تجنبه ما عاشه الحزب من أزمات في ماضيه القريب.
و كما قال الكاتب الأول عبد الواحد الراضي: ” …في الماضي لم نختر عبد الرحيم بوعبيد، بل اختاره التاريخ، لكن هل كان لدينا بديل لعبد الرحيم ولليوسفي ولليازغي، التاريخ هو من كان يختار، أما اليوم وغدا فنحن من سيتحمل المسؤولية وليس التاريخ، وذلك من خلال مساطر وضوابط تضمن وحدة الحزب ولا تجعل مناسبة اختيار قيادة الحزب فتنة أو تفرقة، ….حان وقت المنافسة الشريفة والعمل على تفادي الذاتية والنرجسية وتحصين حزبنا بوضع مساطر يتفق عليها الجميع، – [بعد أن أعرب عن يقينه] بأننا سنتمكن من أن نعيش في انسجام تام وأن نعمل ونبني، وأن يدخل الحزب في مرحلة عادية خاصة أن العديد من المناضلين يشعرون أننا نعيش في حالة استثنائية”.
لقد أفرز نظام الدورتين بروز المنطق الرئاسي، وهذا المنطق لا ينسجم مع مطلب الاتحاد في تحقيق النظام البرلماني على صعيد الدولة، وعليه انسجاما مع مطلبه بأن يطبق على بنيته التنظيمية الداخليي، بحيث بدا الاتحاد يلخص في كاتبه الأول، وباتت له السيطرة المطلقة على البنية التنظيمية، ناهيك عن عدم احترام ضرورة فصل السلطات بين مؤسسة المكتب السياسي واللجنة الإدارية بعضوية رئيس اللجنة الإدارية في المكتب السياسي، الأمر الذي يجعل اللجنة الإدارية مؤسسة مباركة لقرارات الكاتب الأول عوض أن تكون مؤسسة للنقاش الجاد والفعال، هذه الأمور جعلت الأصوات الاتحادية مبحوحة وعاجزة عن تصريف أفكارها داخل المؤسسات الحزبية، الأمر الذي أفرز انحباسا مؤسساتيا لم يجد معه الاتحاديات والاتحاديين سوى الفضاء الأزرق للتعبير عن غضبهم و كبتهم السياسي، وهذه الأمور تشكل خطرا على الديمقراطية و تعددية الحساسيات داخل الاتحاد التي لطالما شكلت إغناء للظاهرة الاتحادية.
إن الاقتراع باللائحة من شأنه إعادة الاعتبار للإشعاع الحزبي في المناطق النائية عبر تقوية النظام الجهوي للحزب، والتوزيع العادل للموارد المالية بشكل متساوي عوض الاقتصار على الجهات المركز.
هذا النمط من شأنه تبديد مخاوف الأحزاب التي نتقاسم معها نفس القيم من أجل الاندماج في اتحاد اشتراكي كبير معتز بجميع أبنائه و متطلع للمستقبل .
* ولوج المؤسسات التقريرية للحزب ويبدد مخاوفها مما يعطي دفعة لتأسيس حلم حزب اشتراكي كبير.
3- مواجهة السلبيات
برزت فئة تدافع عن نمط الاقتراع الحالي ومتخوفة من سلبيات هذا النوع من أنماط الاقتراع و المتمثلة بالأساس في:
– مخاوف تفتيت الحزب .
– يمكن أن يؤدي إلى عدم استقرار المؤسسات الحزبية.
– بروز تكتلات غير متجانسة تصعّب المهام التقريرية للحزب مما قد يؤدي إلى تضارب في مقرراتها.
و يبقى الرهان في مواجهة هاته السلبيات، عبر وضع ضوابط صارمة تحول دون تفتت الحزب وآليات توفر الاستقرار اللازم للمؤسسات التمثيلية، من خلال تحديد الفترة اللازمة لاشتغال المؤسسات التنظيمية دون أن تكون مهددة بالإقالة، أما مخاوف تكوين أغلبيات غير منسجمة فيمكن تجاوزها عبر تقوية مؤسسة الكاتب الأول عبر تمكينه من اختصاصات تمكنه من تحقيق الانسجام بشكل يحول دون إمكانية عرقلة مشاريع الحزب.
إن من شأن هذا النمط تقوية سلطة القيادة الحزبية بشكل يمكنها من الفعل والسير ببرنامجها الذي على أساسه تم انتخابها من طرف المؤتمرين بشكل يمكن من محاسبتها على أساس البرنامج الذي تم انتخابها على أساسه.

* خبير في الأنظمة الانتخابية

التعليقات على المؤتمر العاشر للاتحاد الإشتراكي ورهان التحول من حزب الفرد إلى حزب المؤسسات مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

الرميد يعارض تعديلات مدونة الأسرة: “إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني فإنه ليس من الحكمة اعتمادها”

مصطفى الرميد* من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمثانة مؤسسات ب…