خالد أوباعمر
بعد أن استأنف السيد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين من قبل الملك محمد السادس، مشاوراته السياسية مع الأحزاب التي يمكن لحزبه أن يتحالف معها لتشكيل أغلبيته الحكومية، تفجر النقاش، فجأة، حول سيناريو لجوء الملك إلى إعمال الفصل 42 أو الفصل 174 من الدستور لتعديل الأحكام الدستورية الواردة في الفصل 47 من الدستور لإنهاء ما سمي بأزمة تشكيل الأغلبية الحكومية.
الذين يراهنون على الفصل 42 من الدستور لإزاحة حزب العدالة والتنمية والحيلولة دون تدبيره للشأن العام بعد تصدره نتائج الاستحقاق الانتخابي ليوم 7 أكتوبر الماضي، يراهنون على السراب، لأن دفع المؤسسة الملكية إلى هذا الفصل بعد عجز رئيس الحكومة المعين طبقا لأحكام الفصل 47، على تشكيل الأغلبية الحكومية بمبرر أن الملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى وضامن دوام الدولة واستمرارها، ينطوي على خرق بيِّن لمقتضيات هذا الفصل من الدستور الذي يبقى فصلا خاصا بتأليف الحكومة وتعيين رئيسها. كما ينطوي على خرق الفصل 42 نفسه، ولاسيما، مقتضياته التي تنص على أن الملك يسهر على احترام الدستور، وعلى صيانة الخيار الديمقراطي الذي أصبح يشكل ثابتا دستوريا إلى جانب الدين والملكية والوحدة الترابية للملكة !!
أما الذين يراهنون على الفصل 174 من الدستور، فإن المثير للانتباه في هذا الإطار، ليس هو مضمون الفصل 174 الذي ينص على أن “للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، أن يعرض بظهير، على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور. ويصادق البرلمان، المنعقد، بدعوة من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم. ويحدد النظام الداخلي لمجلس النواب كيفيات تطبيق هذا المقتضى، حيث تراقب المحكمة الدستورية صحة إجراءات هذه المراجعة، وتعلن نتيجتها”، بل إن المثير هو الإحالة على هذا الفصل في وقت لم يستنفد فيه رئيس الحكومة كل الإمكانيات التي يتيحها له الدستور من أجل تجاوز أزمة تشكيل الأغلبية الحكومة، لاسيما وأن الوثيقة الدستور لا تحدد آجال لذلك مما يجعل بنكيران في وضعية مريحة أكثر من خصومه الذين يناورون من أجل خنقه لانتزاع مكاسب كبيرة.
أولا: نحن أمام أزمة أغلبية حكومية، ودستور فاتح يوليوز 2011 وضع المداخل الدستورية الكفيلة بمعالجة هذه الأزمة من خلال المقتضيات الواردة تحديدا في الفصل 47 أو في الفصول 95 و96 و97 و98 و103 و104 و105 من الدستور..
ثانيا: مسألة مراجعة الدستور أفردت لها اللجنة التي تكلفت بصياغة الدستور، الذي صوت عليه الشعب في استفتاء شعبي بنسبة كبيرة، بابا كاملا، ويتعلق الأمر بالباب الثالث عشر، وبالتالي فإن الإحالة على بعض الأجزاء فقط من المادة 174 دون الإشارة إلى فقرتها الأولى، والتي تنص على أن “مشاريع ومقترحات مراجعة الدستور تعرض بمقتضى ظهير على الشعب قصد الاستفتاء” وعلى باقي الفصول الأخرى (الفصلين 172 و173 من الدستور)، إحالة تطرح أكثر من علامة استفهام حول غاياتها والجدوى منها؟ !
ثالثا: الإحالة على الفصل 174 دون أي إشارة إلى الفصل الذي يليه “الفصل 175″ عملية تجزيئية للدستور وتفكيكية لهندسته المتراصة والمترابطة، ولاسيما، إذا أخذنا بعين الاعتبار مضمون هذا الفصل الذي يشير صراحة إلى أن مراجعة الدستور لا ينبغي أن تتناول الأحكام المتعلقة بالدين والاختيار الديمقراطي وبالمكتسبات المنصوص عليها في الدستور.
أعتقد، شخصيا، أن الملكية في المغرب لا يمكنها أن تجازف دستوريا بترجيح كفة طرف سياسي على طرف آخر. وأي إعمال للفصل 42 أو الفصل 174 من الدستور، في ظل السياق السياسي الحالي، سيقرأ على أنه تشويش دستوري ومصادرة صريحة للخيار الديمقراطي وللمكتسبات الدستورية؛ كما أن أي لجوء إلى هذا الفصل، دون استنفاد كل الإمكانيات المتاحة دستوريا من خلال المقتضيات الواردة في فصول الدستور الأخرى، يمكن أن يقرأ من قبل البعض على أنه انقلاب دستوري ناعم على أحكام الدستور ذاته وعلى الشرعية الانتخابية للحزب الفائز في الانتخابات بــ125 مقعد برلماني.
مبرر كلفة الانتخابات السابقة لأوانها مبرر غبي ولا أساس دستوري له، وما ستخسره الدولة جراء التشويش السياسي على عملية تشكيل الحكومة من قبل جيوب مقاومة الإصلاح والتغيير واللوبيات المستفيدة من التحكم والفساد، يفوق بكثير الخسارة التي يمكن أن تترتب عن الانتخابات السابقة لأوانها في حالة إعمال الدستور، لأن تعطيل المؤسسات الدستورية أخطر بكثير من أي شيء آخر.
إن أية محاولة لتبرير إسقاط بعض فصول الدستور المكرسة للخيار الديمقراطي، ستكون محفوفة بمخاطر سياسية ودستورية جمة؛ كما أن أي محاولة لإقحام الصلاحيات الدستورية للمؤسسة الملكية في قضايا سياسية يجيب عنها الدستور بشكل صريح وواضح، ستكون خائبة بدون شك، كما خابت محاولة الاستقلاليين الذين أرادوا إقحام الملك لتعطيل الفصل 47 من الدستور استنادا إلى الفصل 42 منه، سنة 2013.
ما وقع في مصر أو في تونس جزئيا لا ينبغي أن يفتح شهية البعض للانقضاض على شرعية الصناديق وعلى شرعية رئيس الحكومة الديمقراطية. المعركة في مصر نفسها لم تحسم بعد لمصلحة الجيش الانقلابي الذي يوجد في ورطة ولجيوبه، وأي محاولة للسطو على المؤسسات الدستورية خارج إطار الشرعية الانتخابية ستكون محفوفة بمخاطر جمة وفيها مقامرة بالسلم الاجتماعي وربما بالأمن والاستقرار في البلد.
لهذه الاعتبارات، فأي محاولة للانقلاب على شرعية الصناديق في المغرب استنادا لتحريضات أبواق التحكم في الإعلام، بتقنيات سياسية أو دستورية، ستضع المغرب تحت المجهر، وهو البلد الذي خرج بأقل الخسائر بعد أن هبت عليه نسمات الربيع ، الذي تحول للأسف الشديد إلى خريف دموي بفعل رغبة الدول العميقة بعدد من الدول، في إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل أن تنطلق شرارة هذا الربيع من تونس.
الذين ينظرون للانقلاب الدستوري الناعم، عليهم أن يتذكروا أن الدولة المغربية، في الداخل كما في الخارج، روجت إلى أن دستور 2011 يعكس تجاوبا وإرادة ملكيتين قويتين في تحقيق التغيير في البلاد، بل هناك من وصف هذا الدستور بـ”الثورة الثانية بين الملك والشعب”.
فهل يجوز بعد كل هذا إقحام المؤسسة الملكية في مسار ارتدادي نكوصي لثورة تعد هي الطرف الثاني فيها إلى جانب الشعب؟
لا أعتقد أن الوضع السياسي في المغرب يحتمل ردة دستورية أو نكوصا ديمقراطيا بالشكل الذي يسعى إليه البعض ممن لا زالوا يحنون إلى التسلط والتحكم والفساد والاستبداد.
الفصلين 42 و174 من الدستور لا يمكن قراءتهما إلا من خلال البنية الدستورية ككل؛ فهناك هندسة دستورية، وهذه الهندسة لها أساساتها، وأي تعامل عشوائي مع هذه الأساسات، سيصبح معه الصرح الدستوري للمملكة مهددا بالانهيار.
الحديث عن الفصلين 42 و 174 من الدستور فيه نوع من الاستقراء المسبق لمعرفة ردود فعل الرأي العام والطبقة السياسية في المغرب، وصيانة الخيار الديمقراطي وتحصين المكتسبات الدستورية في البلاد، لا يقتضيان استعمال هذين الفصلين أو حتى مجرد التفكير في استعمالهما، كسلاح دستوري لإجهاض المسلسل الديمقراطي في البلاد، لأن هذا المسلسل بني تاريخيا على التوافق.
طرح الفصلين 42 و174 من الدستور، كأحد الخيارات الدستورية لتجاوز ما سمي بأزمة الأغلبية الحكومية، طرحٌ تغليطي لا يستقيم إذا نظرنا إليه من خلال البنية الدستورية كاملة. كما أن من يراهن على المؤسسة الملكية لإعمال هذين الفصلين في مواجهة نفوذ وقوة الإسلاميين كمن يراهن على السراب، ولاسيما، بعد أن اختار الملك في مناسبات سابقة الانتصار إلى التأويل الديمقراطي للدستور بدل الانسياق وراء رغبات السياسيين.
لجوء المؤسسة الملكية إلى تعديل الدستور من خلال استعمالها للفصل 174 من الدستور المستفتى عليه من قبل الشعب المغربي، يعني جر الملكية إلى مستنقع السياسة وإقحامها في صراعات الأحزاب، وهذه محاولة خائبة، لأن الملكية التي اختارت التجاوب بسرعة مع مطالب الشارع المغربي في خطاب 9 مارس، لن تقبل بتوريطها دستوريا، لإرضاء رغبات أطراف سياسية فشلت، انتخابيا وسياسيا وأخلاقيا، في مواجهة البيجيدي وأمينه العام عبد الإله بنكيران.
إيديولوجية الإسلاميين وخلفياتهم الفكرية والسياسية يمكن أن تكون مزعجة لمحيط القصر، لكن في رأيي المتواضع، لا تصل إلى حد إزعاج الملكية كنظام حكم.
النقاش حول امكانية لجوء الملك الى الفصلين 42 و 174 من الدستور يندرج في إطار الابتزاز الدستوري لرئيس الحكومة المعين من قبل ملك البلاد، ولا أستبعد أن يكون التلويح بهذين الفصلين من الدستور، تقنية أو آلية أو ورقة، يتم لعبها لإجبار رئيس الحكومة أو دفعه إلى تقديم تنازلات مهمة في سياق مشاوراته السياسية الرامية إلى تشكيل أغلبيته الحكومية. من يريد أن ينقلب دستوريا على الحكومة لا يكشف عن سلاح انقلابه.
ومادام أن سلاح الفصلين 42 و 174 قد انكشف أمره، فلا تحزنوا على تشكيل الحكومة المقبلة، فهي آتية لا شك في ذلك، وحتى إذا لم يفلح رئيسها في مشاوراته السياسية لتشكيل أغلبيته الجديدة، فاعلموا أن الملكية بكل ثقلها، قادرة على إنهاء الزوبعة وإدخال الجميع في بيت الطاعة بإشارة بسيطة فقط.
الفاعلون السياسيون الذين يمارسون الحرابة السياسية لقطع الطريق على بنكيران للحيلولة دون تشكيله للأغلبية الحكومية، لا يلعب عامل الزمن لصالحهم، ورضوخهم للأمر الواقع، في حالة إصرار بنكيران على موقفه، أمر لا جدال فيه لأنه ليس من مصلحة الحكم أن يكون البيجيدي خارج اللعبة.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…