عبد العزيز سلامي*
تقديم
حاولت البارحة، مدة ثلاث ساعات، القيام بصياغة استنتاج عام حول حالة المغرب و العرب بصفة عامة، و هو بالأحرى خلاصة بحث دام ثلاث سنوات من الجهد و التنقيب في كل مظاهر التشابه و الاختلاف بين ثقافتنا و ثقافة الغرب، و جدلية تاريخنا في إطار جدلية تاريخ عام. و كنت قد أخذت بعبن الاعتبار لأجل هذه الدراسة، مجموعة من المراجع التاريخية، ككتب عبد الله العروي، و كتب محمد عابد الجابري، و الأطروحات السوسيولوجية المعروفة، العربية و الغربية، حول العرب و المغرب خاصة. و استحضرت مجموعة من المناهج للتحليل: علم النفس الاجتماعي و الفلسفة، و التاريخ، و كل الأطروحات التي تنظر للعالم بمثابة حركية، وجدل و اختلاف، و نظرت في سيرورات المجتمعات الغربية، و كيف توحدت و كيف افترقت و كيف توحدت بعد ذلك، و وصلت إلى الخلاصة التالية :
الفصل الأول
عثرتُ، باعتباري باحث في مجتمع مسلم و في جغرافيا محددة، على حقيقة مفادها، أنه لا وجود للمستقبل باعتباره الزمن الذي سيأتي، سواء بعد حين أو بعد مدة زمنية قريبة أو بعيدة في المجتمع العربي. و على أن وجودنا قد انتهت مدته على كوكب الأرض، ما دامت كل المؤشرات الثقافية و الاقتصادية و السياسية تثبت ذلك بالملاحظة الحسية و النظرية. في حين أن (الغرب كمجتمعات) قد حصنوا أنفسهم منذ ثلاثة قرون، و اتخذوا طريق العقل في مستوى نظري و الحق في مستوى سياسي، و تقدموا على جميع العصور التي مضت، سياسيا و اقتصاديا و علميا، أما نحن، فمجرد كائنات تستهلك منتوجاتهم التقنية بشكل مقلوب، و قيمتنا في سواعدنا، كطاقات طبيعية ضرورية، و على أن تمثلاتنا للحياة تختلف بشكل مطلق مع الغرب، لأنه لم تحدث في ثقافتنا ثورة ثقافية أو علمية، منذ أن نشأ ما يمكن اعتباره الحضارة العربية الإسلامية، و التي لم تكن يوما، إلا وهما، بتقادمه صار حقيقة تابثة في الأذهان، باعتبارها الماضي الزاهي للعرب. و هناك مجموعة من الأسباب جعلت الأنظمة السياسية العربية، و التي هي واحدة مهما اختلفت، تحافظ على هذه المَرجعية، لكونها التشريع الأول للسلطة السياسية، سواء كانت ملكية أو جمهورية. و كل الوسائل جُندت لتحقيق هذه الغاية، أي تكذيب أي سلطة قد تتنافى مع السلطة الدينية، المُشرعة للسلطة الحاكمة. تنميط الدماغ العربي بحقائق وهمية، مشكوك في صحتها، و تداولها باعتبارها الحقيقة، من الكوارث المعرفية التي تتوارث بدون أدنى تمحيص أو شك. و على أن العلم الشريف هو علم الله، له أسبقية على كل علم، اي ما اصطلح على تسميته بعلوم القرآن، أو الحديث أو علم الكلام، في نسخه القديمة و الجديدة، و أن كل علم إن لم يدافع عن الملة، فهو كفر و مشكوك في صحته.
إن هذه البنية الثقافية العربية، لا يمكن فصلها عن هذا المعطى البْسُودو مَعرفي، الذي يُعشش في الأذهان، و يُغلف التفكير العربي و يمنعه من التقدم إلى الأمام. من حيث أن الاجتهادات الفكرية للمفكرين العرب، من اتخذوا القطيعة مع الماضي وسيلة لاستشراف المستقبل علما و فلسفة و سياسة، تم التشكيك في معرفتهم و نبذهم اجتماعيا و اقتصاديا، مما ولد حقدا ظاهرا على المثقف أو الفيلسوف أو المفكر أو العالم في المجتمع العربي، مما أنتج كذلك، أُنمُوذج فكري واحد يتوارث عير القرون، باعتباره الإمكانية الوحيدة للمعرفة، أو الوجود ككل. و هو أُنموذج التراث باعتباره الحق أو الصواب. و يفيد التراث هنا، الدين بجميع تفسيراته الكلامية و الأخلاقية. إن هذا التمركز حول الأخلاق الدينية بدون جدة، والذي دام، أكثر من أربعة عشر قرنا، خلف كوارث لا يمكن مجاوزتها، و كأن الزمن لم يمر في الأوطان العربية المسلمة. و هو (تَخلُفُ) مقارنة بالزمن الغربي، كما يركز على ذلك عبد الله العروي في جميع كتبه. أربعة عشر قرنا من التمثل الديني للعالم، انتهت إلى تمثل لا ديني، لكون التمثلين المعاصرين : الاقتصادي و الثقافي للعالم، صَيَرَا كل ثمثل ليتجه صوب (الذات sujet) و إمكاناتها المادية و الحقوقية، عوض شرطها الروحي/الديني، الذي كان بارزا في قرون خَلت. انتهى الكائن إذن، إلى وجوب التطابق مع روح العصرl’esprit du siècle، بحسب (هيجل). جعل العصر يُترجم نفسه و يفرض شروطه الثقافية و المادية و الاقتصادية. إن هذا الخلل الملاحظ في ثمثلنا للعالم، نتج عنه تخلف الكائن في المجتمعات العربية، عما يحب أن يكون عليه، مُتخلص من سلطة الماضي، و مشرف كل يوم على فكر و أنموذج جديد، و مشاركة في الإنسانية العالمية، عوض النزوع إلى مساكنة تراث غير معروف أو مشوه التأويل و في غير مكانه و في غير زمانه. إن الكائن العربي، هو من بين الكائنات الوحيدة في العالم التي يمكن دراستها تجريبيا، لأن الكائن الغربي، تجاوز هذه العلاقة التجريبية، فهو (ذات) مكتملة التكوين و حرة و مستقلة و تفرض شرطها الخصوصي، ليتحول إلى شرط جماعي و مُعترف به و مُقنن. إننا حينما نسمي الإنسان العربي بالكائن، فإنما ننظر إليه باعتباره ظاهرة اجتماعية، وفق التمثلات الفكرية المعاصرة، أي أن الغير الغربي أو الصيني هو الذي يصنفنا في قائمة الظواهر الثقافية. فنحن لا نرى أنفسنا بهذا الشكل، لأن الأُنموذج الفكري الذي نعملُ به، ينفي ثبوت وجود هذه الحقيقة. إذ لا يمكن أن نُمثل المُلاحظ و المُلاحَظ في نفس الوقت. لهذا معرفتنا بأنفسنا قاصرة، لأنها أولا لا تعمل على المقارنة، و تختلف التمثلات، التي هي بمثابة منظورات مختلفة جذريا عن بعضها. إن هذا الفصل، في النظر للعربي باعتباره يحمل خصوصية تاريخية و ثقافية و دينية، هو ما يبعده عن نفسه و يَحدُ من قراءته لواقعه المُضلل. إذ لا وجود للإنسانية العالمية إلا بالثقافة المعاصرة، التي تُلخص في قيم و حقوق و واجبات، و ثقافتنا نحن، صارت مُركزة على (ذات) لا وجود لها تجريبيا، و إنما هي بمثابة كابوس يوقظ من النوم كل يوم.
الفصل الثاني
باعتقادنا وفق النظرة التحليلية للواقع العربي منتوج الأُنموذج الفكري الواحد، لا يمكن الخروج إلا بهذا الاستنتاج، و رأينا من الضروري استباق الأحداث وفق المعطيات التجريبية المُتوفرة، على اعتبار أن التحليل السابق يؤكد هذه الصورة:
مجموعة من الناس ستضيع في خضم الصراع القائم و الذي سيتعمق بعد سنة على الأكثر. الكارثة قادمة، و المثقفون يعرفون ذلك، لكنهم صامتون أو مصدومون، من الويلات القادمة، لكنهم متمسكون بعدم إخراج هذه الحقيقة للناس. ينتظرون بصيصا من الأمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن الواقع شبه أصم و لا يفهم الإشارات. حتى أن البعض يعتقد بأن الدولة بإمكانها تغيير أحداث المستقبل، و منع العصر الجاهلي، الذي دخلنا من بوابته منذ سنوات، من دون أن نعلم بذلك. و لأن الناس المسؤولون عن الشأن العام، بشر مثلنا و لهم أبناء في المدارس و أسر، فهم بطبيعتهم يعتقدون في المستقبل، و لكن لا يفعلون فيه و لا يغيرونه. ينتظرون هم كذلك ما سيؤول إليه الزمن المغربي، إقتصاديا و سياسيا و طبيعيا. و لأن لهم هم كذلك وظيفة طمأنة الناس على المستقبل، تجدهم فقط يقومون بتهدأة الأوضاع، بما أن الحال و المآل قد هرب من أيديهم، و لم يعد باستطاعتهم الكذب أو التمادي في تلوين الصورة.، فالصورة سوداوية، لكن ما العمل ؟ الحفاظ على الأمن، من مهامهم الواجبة، بغض النظر عن واقعهم. هناك مجموعة من العوامل تبرر ما كتبنا، و مُلخصا، تجد الأمية و الجهل و الفقر من العوامل الأساسية التي أنتجت هذه الكارثة في المجتمع العربي، لأن الجهل يدفع بالضرورة إلى العنف الغريزي عند الإنسان. ما دام الوازع الأخلاقي قد انمحى أمام ويلات الفقر و الحاجة. فلا يجب الاعتقاد بأن العصر الجاهلي، يفيد عودة الدين الإسلامي، بل هو عودة الأديان بكل الأشكال، المذهبية المتطرفة، و العصابات القبلية و المرتبطة علائقيا بأبناء الحي أو المدينة، و ذلك لأن الحاجة ستولد الخضوع لأي مذهب بسيط يستطيع الأمي أن يفهمه، باعتباره ما يُوجد له حلولا آنية، و الفتاوى الدينية الإسلامية، سواء شيعية أو سُنية، ستنتشر، باعتبارها كذلك ما يمكن أن يسهم في الحفاظ على الحياة. بصفة عامة التوافق في نهاية هذا المخاض اللاتاريخي حول قانون جديد، لا علاقة له بأي إيديولوجيا معاصرة، سواء عربية أو غربية، أي خليط من الدين و السياسة، و لكن الأصل في كل ذلك هو صورة مشوهة للدين الإسلامي. إن التكتلات العرقية و القبلية، ستتلاحم لأجل الأمن لا غير، و أن الأرض باعتبارها المورد الأول للحياة، سيصبح لها ثمن باهض، إذ أن الزاد الوحيد للإنسانـ سيتجلى في الأرض. و من سيملك الأرض، سيملك الطاقة و الاستمرارية في الحياة إلى حين. و لكن ما يمكن التركيز عليه في هذا المستقبل الغائب، هو أن الحرب ستطحن الجميع. (يتبع).
جزء من بحث، بعنوان الكائن العربي و الإنسانية العالمية.
* ذ، استاذ باحث في الفلسفة و علم الاجتماع و علم النفس.
الدار البيضاء 05.11.2016
نشرة إنذارية.. طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المملكة
تتوقع المديرية العامة للأرصاد الجوية تسجيل طقس حار (ما بين 28 و33 درجة) من السبت إلى الاثن…