شريف السليماني
مع اقتراب يوم 7 أكتوبر يوم الاستحقاق الانتخابي، يتساءل الكثيرون عن ما إذا كانت هذه الانتخابات ستمر في جو من النزاهة والشفافية كما تعد الجهات المسؤولة، أم إن ظاهرة تزوير النتائج والتحكم فيها ستعود من جديد بعد ما غابت أو كادت تغيب في آخر استحقاقين انتخابيين عرفهما المغرب سنتي 2011 و2015. وعكس هؤلاء المتشائمين الشاكّين في نزاهة الانتخابابت القادمة، أرى شخصيا أن هذه الانتخابات ستكون نزيهة ولن تعرف أي تزوير أو تدخل قد يؤثر بشكل كبير على مستوى النتائج النهائية. ماعدا بعض التجاوزات الفردية والمخالفات المنعزلة التي تبقى واردة ومن الصعب تفاديها بالمرة.
دوافع التشكيك في نزاهة الانتخابات كثيرة وعلى رأسها فقدان الثقة. ويبدو أن على القائمين على شأن الدولة المغربية بذل الكثير من الجهد لكسب أو إرجاع ثقة فئة كبيرة من المواطنين ماعادوا يثقون في الدولة ولا في مؤسساتها وخاصة في الجهة التي كانت تشرف على الانتخابات. حال الدولة مع فاقدي الثقة هؤلاء كحال ذلك الابن الذي قال لأبيه مرة: يا أبي إنني أكذب على الناس ومع ذلك يصدقونني وأنا كاذب! فأجابه أبوه الحكيم: ياولدي سيأتي عليك زمانيكذّبونك فيه وأنت صادق!إن ماضي وزارة الداخلية السيئ الموصوم بالتزوير والرغبة في التحكم في نتائج الانتخابات، جعل من الصعب على البعض أن يقبل أوحتى أن يتصور وقوع عملية انتخابية شفافة ونزيهة في المغرب. هؤلاء المتشائمون لا يؤمنون بأن هناك تغييرا قد تم في المغرب أو سيتم. ولا يصدّقون الدولة ولا المسؤولين عنها أبدا حتى وإن حلفوا بالأيمان المغلظة لأنهم ببساطة لا أيمان لهم في نظر هؤلاء! وإذا ذكرت عندهم وقائع وأدلة على صدق النظام ورغبته في التغيير الإيجابي وأظهرت أنك تصدق ذلك، فأنت بالنسبة لهم غبي غليظ قفى! (مقلوبة عليك القفّة) لأنك انطلت عليك حيل النظام.
أقول لهؤلاء: على رسلكم، إن ما تتّبعونه ظنونوإن الظنون لا تغني من الوقائع شيئا. لنرجع إلى الوراء وبالضبط إلى ما قبل انتخابات 2011 بقليل. لقد سبقت تلك الانتخابات أيضا حملة واسعة من التشكيك في نزاهتها. وكان الكثيرون لا يتوقعون أبدا أن يسمح لحزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة وإن فاز بالمرتبة الأولى. لكن ذلك الظن قد خاب وأسندت المهمة إلى الحزب كما يقتضي الدستور. ثم شكّك الكثيرون بعد ذلك في موافقة الجهات العليا على إسناد منصب رئيس الحكومة إلى السيد بنكيران. فخاب هذا الظن أيضا وأسند المنصب إلى الرجل الذي لم يكن من المرضي عليهم بشكل واضح. وكان أيضا من شبه المؤكد لدى جل المغاربة أن القصر لا يمكن أن يوافق على تعيين السيد مصطفى الرميد على رأس وزارة العدل والحريات نظرا لمواقفه الحادة فيما يخص شكل الملكية في المغرب. لكن مع ذلك قبل الملك به على رأس وزارة العدل التي تعتبر من أهم الوزارات! فاستنادا إلى هذه التجربة الماضية أرى أن الانتخابات القادمة ستكون أيضا نزيهة وأن الدولة ستفي بوعودها فيما يخص التزام الحياد وضمان النزاهة والشفافية.
أضف إلى ما سبق أن الإصلاحات الدستورية وإمكانية ومستوى الرقابة المؤساساتية والمجتمعية لهذه الانتخابات تجعل من الصعوبة بمكان أن يحدث أي تزوير. وحتى إن حدث فإن القانون يضمن للمتظلّمين الطعن في النتائج ورفع شكاوى إلى القضاء لاسترجاع حقوقهم وإلغاء النتائج المحصل عليها بطرق غير مشروعة ومتابعة المسؤولين عن التزوير قضائيا. أفلا يجعلنا كل هذا ننظر إلى الاستحقاق القادم بنوع من التفاؤل إذا؟
قد يرى البعض أن ظاهرة شراء الأصوات وممارسة الضغوط على الناخبين وغيرها من الممارسات المشينة التي لازالت تعتري العملية الانتخابية أيضا نوع من التزوير. وأنا أقول: إنني لا أعتبر ذلك تزويرا، فالتزوير بالنسبة لي هو تدخل جهات ما في تغيير إرادة الناخبين بعد تصويتهم وقلب النتائج بما لا يتوافق مع أصوات الناخبين. أما من غير إرادته بمحض اختياره إما رضوخا لضغوط أو طمعا في منافع أو إرضاء للآخرين فصوت على من لا يستحق، فلا نلوم الشيطان الذي أغواه بقدرما نلوم الشخص نفسه الذي رضي أن يبيع ضميره ويهين كرامته ويخون وطنه ليمنح صوته لشخص أو حزب وهو يعلم في قرارات نفسه أنه لا يستحق ذلك. {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18].
وإذا كان عدم الثقة في الجهات المشرفة على الانتخابات سببا من أسباب توقع التزوير لدى فئة من المتشائمين، فإن لفئة أخرى أسبابا ودوافع غير ذلك. الخوف من الخسارة مثلا، قد يدفع بالبعض إلى التشكيك في نزاهة الانتخابات. وهذه عقلية المتخلفين مع الأسف. فالمفروض في السياسي أن يقبل نتائج الصندوق مهما كانت. كيف لا وقد قبل الاحتكام إليها؟ والانتخابات لا بد أن تحمل فائزين وخاسرين ولا يمكن أن تفوز كل الأحزاب وأن يفوز كل المرشحين. وبالتالي، فعلى المشاركين أن يعلموا أن احتمال الخسارة وارد جدا. وعلى من كان نصيبه الخسارة أن يقبل بالأمر ويراجع نفسه وينظر في أسباب الهزيمة لمعالجتها في المستقبل كما يفعل السياسيون الأقوياء الذين يحترومون أنفسهم ويحترمون ناخبيهم. أما منطق: “إن فزت فلأنني أستحق الفوز وإن خسرت فلأن الانتخابات مزورة” فهو منطق الضعفاء والجبناء. وأخطر من هذا الموقف ما صرح به أحد رؤساء الأحزاب من أن المغرب سيتحول إلى “سوريا” إذا ما فاز الحزب الفلاني!!! أقول لهذا المسؤول الحزبي بالدّرجة: (فمّك لحسو كلب، صافي غير إلى خسرت أنت وحزبك غادي يتّحرق المغرب؟).
إلى جانب ما ذكر، يبقى تبريرقرارمقاطعة الانتخابات أيضا من الدوافع التي تجعل الكثيرين يشكّكون في نزاهتها.فهناك فئة واسعة من المواطنين كما نعلم أخذت على نفسها عهدا بمقاطعة هذه الانتخابات كما قاطعت الانتخابات فيما سبق. ومن هؤلاء من لم يكتفوا بقرار المقاطعةبل أصبحوا يدعون إلى ذلك ويقومون بحملات موازية للحملات الانتخابية لا تختلف عنها على مستوى الشكل. ينزل أصحابها إلى الشوارع كما ينزل المرشحون ويستخدمون كل الوسائل لإقناع المواطنين بعدم المشاركة! ماذا ينتظر من هؤلاء إذا غير التشكيك والتثبيط والتشاؤم؟ وحبذا لو كان هذا التشكيك مبنيا على معطيات ووقائع تسنده. إنه مجرد تبرير وانقياد أعمى لقرار المقاطعة الذي اتخذه كبراء القوم ربما منذ عشرات السنين حيث كانت الظروف غير الظروف والسياق غير السياق. أريد من هؤلاء المقاطعين أن يعدّوا لنا المنجزات التي حققوها لأنفسهم أو للمغرب من خلال مقاطعة الانتخابات. ما هي نسبة الإصلاح التي حققوها من خلال هذه المقاطعة ماداموا يعتبرون المقاطعة والدعوة إليها نوعا من الضغط على النظام ليقوم بإصلاحات حقيقية؟ هؤلاء أنفسهم هم الذين يبشرون المغاربة بالطوفان وبقرب الانفجار منذ عشرات السنين. وينكرون أن يكون المغرب قد شهد أي إصلاح أو تقدم يذكر. ولازم هذه النظرة السوداوية أن الإصلاح عن طريق المقاطعة أيضا لم يفلح ولم يقدم شيئا خلال كل هذه المدة ما دام الوضع كما يصفون. أفلا يقتضي الحال إذا إعادة النظر في قرار المقاطعة هذا؟ أم إن الناس يحلمون بيوم يأتي فيه “المخزن” راكعا ليقول لهم:”شبيك لبيك…المخزن بين يديك” وبعد ذلك سينهون المقاطعة؟
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد استوقفتني فتوى لأحد الشيوخ صدرت وأنا أكتب هذه الأسطر. صاحب الفتوى معروف بانتمائه إلى جهة تقاطع الانتخابات وتدعو إلى مقاطعتها ولا تؤمن بشرعيتها ولا بشرعية المؤسسات المنبثقة عنها. بل لا تؤمن حتى بشرعية النظام نفسه. ومع هذا كله أصر صاحب الفتوى على إبداء رأيه الفقهي فيالأصوات الانتخابية التي يدلى بها وقت صلاة الجمعة وحكم عليها بالبطلان. أنا لا أناقش هنا الرأي الفقهي للشيخ ولا يهمني كثيرا صوابه من عدمه. الذي يهمني هو طريقة التفكير والغرض من وراء هذه الفتوى والدوافع الحقيقية للبعض وراء تشويه العملية الانتخابية. الشيخ لا يؤمن بشرعية الانتخابات في المغرب حتى وإن وقعت في يوم الأحد. ولا يؤمن بشرعية البرلمان ولا بشرعية الملكية. لكنه يناقش شرعية الأصوات التي يدلى بها وقت صلاة الجمعة! ما دامت باطلة باطلة في نظرك ياشيخ، فما الفرق إن أدلي بها وقت صلاة الجمعة أو وقت السحر؟ وإذا ألغيت الأصوات المدلى بها وقت صلاة الجمعة فهل ستعترف أنت ومن معك بشرعية الانتخابات وتقبلون بنتائجها؟
في الأخير أقول: إن المغرب بفضل الله الذي حماه ممّا أصاب محيطه ثم بسبب حب المغاربة لوطنهم وغيرتهم عليه، سيجتاز هذا الاستحقاق الانتخابي بنجاح. وسواء فاز هذا الحزب أو ذاك، فإن المغاربة لن يسمحوا أبدا أن يتحول بلدهم إلى سوريا أو بلقان. كما لن يسمحوا أبدا بحدوث ذلك الطوفان الذي بشر به البعض منذ زمان ولا زالوا يبشرون به إلى حد الآن.

التعليقات على لماذا التّشكيك في نزاهة انتخابات 7 أكتوبر؟ مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بايتاس معلقا على ندوة “البيجيدي”: لا يمكن مناقشة حصيلة حكومية لم تقدم بعد

اعتبر مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق ا…