التحالف الممكن
مصعب التجاني
تعتبر التحالفات جزءاً أصيلا من المشهد الانتخابي المغربي ومتلازمة طبيعية لنظامنا الانتخابي، غير أن هذه التحالفات المغربية تتسم هي كذلك بسمة الاستثناء، فلا هي تحتكم للخلفيات الأيديولوجية ولا هي جزء من تعاقد واضح بين المؤسسات الحزبية وناخبيها ،بقدر ما هي فجائية وظرفية أو كما يسميها البعض بالإستراتيجية.
ومن هنا يمكن أن نفهم مدى هشاشة عدد من التحالفات الحكومية التي تعاقبت على تاريخ المغرب الحديث لعل آخرها التحالف الحكومي برئاسة الأستاذ عبد الإله بنكيران، وهو التحالف الذي أبان في عدد من المحطات عن هشاشته وقابليته للفض وتصدع أطروحة انسجامه خصوصا عندما يرتبط الأمر ببعض القضايا التي تدغدغ مشاعر الانتماء الأيديولوجي ( قضية تشغيل القاصرات، زواج القاصرات، عقوبة الإعدام…)، وحيث أن الواقع لا يرتفع فان مسألة التحالفات ستظل بعيدة كل البعد عن الاحتكام للأسرة الأيديولوجية بقدر ما ستحتكم لمنطق من سيقبل بعدد الحقائب الوزارية ونوعيتها ومن سيرفض، وهو منطق مقبول إلى حد ما مادام أن السقف إصلاحي وأن البرنامج تفاوضي ملزم في الأخير للمتحالفين لا لغيرهم، وحيث أن مخرجات الاستحقاقات المقبلة للسابع من أكتوبر لن تخرج بطبيعة الحال عن البحث عن حلفاء استراتيجيين للمتصدر للانتخابات إن لم تضعه في مأزق دستوري أمام تشكيل حكومته، فإننا سنحاول الإدلاء برأينا في مسألة التحالفات هاته والمفاضلة بينها استنادا لنتائج الانتخابات الأخيرة المرتبطة بالجماعات والجهات ومجلس المستشارين.
وقبل الحديث عن الاستحقاقات الأخيرة نلفت عناية القراء الكرام إلى أن حلفاء الأستاذ عبد الإله بنكيران اعتبروا التحالفات الجهوية والإقليمية والمحلية في حل عن تحالفهم الوطني وهو ما دفع بهم إلى التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة المعارض لهم على المستوى الحكومي وتكبيد حليفهم الاستراتيجي على المستوى الحكومي خسارة تسيير عدد من المجالس الترابية، هذه المجالس التي انطلقت استحقاقاتها بتاريخ الرابع من شتنبر من السنة الماضية 2015 على المستوى المحلي والجهوي؛ حيث تبوء حزب الأصالة والمعاصرة المرتبة الأولى بحصده لـ 6662 مقعد من أصل 31482 فيما احتل حزب العدالة والتنمية الرتبة الثالثة بعدد مقاعد قدره 5018. سيعمل حزب الأصالة والمعاصرة على الحفاظ على رتبته الأولى عند تشكيل مكاتب المجالس الجماعية حيث سيرأس 358 مكتب مجلس جماعي من أصل 1503 بنسبة 23,82 بالمائة في حين سينزل حزب العدالة والتنمية من الرتبة الثالثة على مستوى عدد المقاعد إلى الرتبة الرابعة على مستوى عدد المكاتب التي سيسيرها حيث لن يتجاوز 177 مكتب بنسبة 11,78 بالمائة.
* على مستوى مجالس العمالات والأقاليم واقتراع السابع عشر من سنة 2015 فقد احتل حزب الأصالة والمعاصرة الرتبة الأولى بـ282 مقعد من أصل 1365 بنسبة 20,66 بالمائة بينما حاز حزب العدالة والتنمية المرتبة الثانية بـ 219 مقعد وبنسبة 16,04 بالمائة، سيحافظ حزب الأصالة والمعاصرة على رتبته الأولى على مستوى تشكيل مكاتب مجالس العمالات والأقاليم ليحصد 22 مكتبا من أصل 75 بنسبة 29,33 بالمائة بينما سيتقهقر حزب العدالة والتنمية للرتبة السابعة بتسييره لـ 7 مكاتب بنسبة 6,67 بالمائة.
* بينما على مستوى الانتخابات الجهوية فقد احتل حزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد بـ173 مقعدا من أصل 678 متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة بـ 135 مقعدا في الرتبة الثانية، أما على مستوى تشكيل مكاتب المجالس الجهوية فان حزب الأصالة والمعاصرة سيتصدر الرتبة الأولى بحيازته لـ 5 مقاعد من أصل 12 بينما سيتقاسم حزب العدالة والتنمية الرتبة الثانية ولن يتمكن من تشكيل سوى مجلسين جهويين من أصل 12.
ذلك وفي حين ستفرز انتخابات مجلس المستشارين بتاريخ الثاني من أكتوبر من نفس السنة احتلال حزب العدالة والتنمية للرتبة الثالثة بحيازته لـ12 مقعدا من أصل 120 بنسبة 10 بالمائة، في حين عادت الرتبة الثانية لحزب الأصالة والمعاصرة بـ 23 مقعدا وبنسبة 19,17 مقعدا.
من خلال ما سبق من أرقام ومن محطات يمكننا أن نخرج بمخرجات تتمحور حول أن الحزبين معا سواء تعلق الأمر بحزب العدالة والتنمية أو بحزب الأصالة والمعاصرة تصدرا معا نتائج الاستحقاقات السابقة، مما يعطي الانطباع بقوة المكونين الحزبيين وهو ما يؤشر على تصدرهما للاستحقاقات المقبلة بفارق بسيط سيكون الحسم فيه للوائح الوطنية. كما أنه من خلال الأرقام السابقة تظهر القدرة الرهيبة لحزب الأصالة والمعاصرة في تدبير تحالفاته مما أهله لتصدر المرتبة الأولى على مستوى تسيير المجالس الجماعية ومجالس العمالات والأقاليم والمجالس الجهوية ومعه يظهر أن حزب العدالة والتنمية لم يستطع في الواقع استثمار صدارته على مستوى الأصوات التي حازها ولم يضمن بالتالي تسيير مجالس ترابية يعكس من خلالها حجم الأصوات التي حازها، كما يظهر معه أن حزب العدالة والتنمية لم يكسب لصفه حلفاء ولم يستطع تطوير تحالفه الحكومي وتنزيله على المستوى الترابي، وبالتالي فكل ذلك يحمل في ثناياه رسالة مشفرة لحزب العدالة والتنمية مفادها أن الحفاظ على الصدارة له درب واحد يمر بالضرورة عبر حزب الأصالة والمعاصرة، وبالتالي فإن أراد حزب العدالة والتنمية، إن فاز في الاستحقاقات التشريعية المقبلة، أن يحافظ على صدارته فان عليه التفكير في التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، كما أنها تحمل رسالة أخطر من ذلك وهي أن حزب الأصالة والمعاصرة قادر على كبح أي تحالف قد يفكر فيه حزب العدالة والتنمية، خصوصا وأن رفاق نبيل بنعبد الله والعنصر ومزوار لم يدعموا إخوان بنكيران في استحقاقات الجماعات الترابية بالشكل المطلوب، كما أن حزب الاستقلال بتصويته لمحمد الحمامي بمجلس المستشارين أعلنها بكل صراحة ووضوح واختار حليفه الافتراضي، كما أنه قادر في المقابل على تهديد استقرار واستمرار أي تحالف حكومي.
وبعيدا عن لغة الأرقام؛ الواقع اليوم أفرز حزبين قويين وإن اختلفت مصادر القوة وتجلياتها، حزب قادر على كسب أصوات وثقة الناخبين وحزب قادر على ضبط تحالفاته والتأثير بشكل أو بآخر في منافسيه، حزب يسيِّر اليوم عددا ضخما من مجالس الجماعات الترابية وحزب راكم تجربة التدبير الحكومي، حزب قادر على تعبئة الغرفة الثانية وتحريكها في الاتجاهين وحزب من المرجح أن يحتل الرتبة الأولى من حيث عدد مقاعد الغرفة الأولى، كل هذه المعطيات تدفع في اتجاه تحالف قوي ومنسجم ومتين تحالف حزبين لا أكثر يضمن وضوحا أكثر على مستوى التعاقدات الحكومية، ويُجنِّبُ البلاد التعطيل التنموي والبطء التشريعي، تحالف يسهل عملية تنزيل السياسات العمومية عموديا ويلين عملية التواصل الأفقي، تحالف الممكن.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…