كمال الخمليشي*

تحيّةً وسلامًا، وبعد،
فإنّني لجمْتُ ما جُبلْتُ عليه من تسامُحٍ قبل أن أخاطبك – هنا – جِهارًا، وليس بظَهْر الغَيْب كما تفعل أنت حين تستنفر لسانك لمواجهة الكتّاب الرّافضين لنهجك، فتقدح في سمعتهم وتستبيحها بشتّى أنواع الاغتياب والتّشنيع (ولا حاجة لذكر أسماء مَن يمكنهم تقديم شهادتهم في الموضوع).
وإذ أخاطبك بهذه الطّريقة الصّريحة، في الوقت الذي لا تزال فيه هزيمتك المدوّية في مؤتمر طنجة عالقةً بالأذهان، فلكي أضعك أمام مرآة الحقيقة الكاشفة لتعاملك المُستخِفّ بالكتّاب الذين تنصب لهم العداء لمجرّد أنّهم خالفوك الرّأي، فتتربّص بهم الدّوائر وتقتحم حياتهم – بنميمتك – كأنّما تقتحم حديقةً تَدْعك أزهارها وتُلوّث فضاءها، ثمّ تنصرف ولا تُبالي.
هذا، للأسف، هو دأبك مع معارضيك، فكيف سأُستثنى منهم؟ وقد بلغني ما بلغني من أفعالك وأقوالك.
لقد حُزْتَ قصب السّبق في تدنيس سمعة كلّ من خالفك الرّأي من الكتّاب، حتّى إنّ البعض منهم نقل خلافه معك إلى صفحات الجرائد وفضاءات المحاكم، ناهيك عن تطاولك على من سبقك من رؤساء اتّحاد كتّاب المغرب. هذا الاتّحاد الذي أصابه الهوان على يدك وخُدشت سمعته في الدّاخل والخارج منذ المؤتمر التّاسع عشر في طنجة (وقبْله)، وأُقحِم عنوةً في صراعك – الخاسر طبعًا – مع الأمين العامّ السّابق للاتّحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، الشّاعر الإماراتي المرحوم حبيب يوسف الصّايغ، الذي اضطرّ إلى تجميد عضويتك كنائبٍ للأمين العامّ، بسبب مخالفتك للنُّظم والأعراف.
ماذا جنيْتَ من كلّ هذا؟
لعلّك لا تشعر بأنّك تمارس سياسة العداء المجّاني لمجرّد إشباع غريزةٍ – تصعب تسميتها – جعلَتْك تُحوّل الاتّحاد إلى وكالةٍ للولائم والأسفار، بل وتصل به إلى الباب المسدود بسبب استمساكك المستميت بمقعد رئاستك المنتهية منذ سنين، ضدًّا على قيمه ورصيده التّاريخي العريق، وضدًّا على ما اتُّفق عليه رسميًّا في مؤتمر طنجة، وهذا مُوثَّق في محضرٍ قضائي حُرّر بتاريخ 23/06/2018 (نسخة منه مرفقة بهذه الرّسالة المفتوحة)، إذ نقرأ في الأسطر الخمسة الأخيرة منه ما يلي: «… وأسفر الاجتماع عن اقتراح السّادة: كمال الخمليشي […]، على أن تسهر هذه اللجنة التحضيرية المختلطة على الإعداد للمؤتمر الاستثنائي المقبل في أفق ستة أشهر القادمة ابتداءً من شهر شتنبر 2018»، فأين نحن من شهر شتنبر 2018؟ ولماذا لم يُوجَّه لي أيّ استدعاء لحضور اجتماعات اللجنة التحضيرية التي أنا عضوٌ فيها؟ ولماذا لم ينعقد المؤتمر الاستثنائي في أفق السّتّة أشهر المحدّدة في هذا المحضر القضائي؟ هذا هو العبث بعينه.
إنّك تجهل أو تتجاهل أنّ اتّحاد كتّاب المغرب، الذي كان يُضرب به المثل في العالم العربي، أصبح اليوم، تحت إمرتك العبثية، هو الأصغر من بين الاتّحادات العربية وهو الأضعف في مجال الممارسة الديموقراطية، التي باتت مُعتمِدةً في عهدك على أولئك الذين تحشدهم كيفما اتّفق لمناصرتك حفاظًا على منصبك، مُتناسيًا أنّهم لن يُجْدوك نفعًا إذا جدّ الجِدّ حين «يأتي يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خُلّةٌ ولا شفاعةٌ».
لستُ هنا بصدد محاكمة ما آل إليه اتّحاد كتّاب المغرب من تفاهةٍ وإنتاجٍ للانحطاط، ولا ما صار يُسوّقه لإرضاء طرفٍ على حساب طرفٍ آخر، ولا لماذا تحوّل اليوم إلى عامل ضعفٍ وإضعاف لأعضائه، وإنّما لأذكّرك فقط بأنّه على امتداد سنوات “قيادتك” للاتّحاد – النّظامية منها وغير النّظامية – لم ينقشع قطّ غبار المعارك المجّانية التي أثرْتَها حولك، فبات هذا الاتّحاد مُصابًا بالجمود بدل أن يكون الفاعل والمؤثّر في تجديد الحياة الثّقافية وتطويرها، بل وفقد حماس العمل الجماعي المنظَّم بعد إذ جُرِّد من دوره الأصيل باعتباره قلعةً للنّضال، وصوتًا مسموعًا للتّعبير عن هموم الكتّاب، وحصنًا حصينًا لصيانة حرّياتهم وإبداعاتهم وكرامتهم. كلّ هذا بقي أسير نواياك القائمة على إبعاد الرّموز الثّقافية في البلاد لكي يخلو لك الجوّ وتضع يدك على الاتّحاد وماليته ومستقبله.. هذا من جهةٍ.
ومن جهةٍ أخرى، إنّك تعلم أنّه كان من قدَري، ورغم المشاغل، أنْ شاركْتُ خلال فترةٍ معيّنةٍ، ليست بالقصيرة، في الإعداد للكثير من كتاباتك، كان آخرها الرّد على تقرير مراقب وزارة الاقتصاد الذي تفحّص مالية الاتّحاد وطريقة عمل أجهزته، وكشَف ما كشَفه من هفواتٍ في التّسيير والتّدبير والصّرف.
وتعلم كذلك كيف أخرجتُك من الورطة التي كانت تقضّ مضجعك، والتي أربأ بنفسي عن الكشف عنها لأنّها تتعلّق بحياتك الخاصّة.
ومع هذا تنكّرْتَ لهذا الجميل ولغيره، وهو كثيرٌ (حسب تعبيرك أنت نفسك عندما كنت توجّه لي الشّكر شفاهيًا أو بواسطة الرّسائل الإلكترونية).
بقي، في الأخير، أن أقف وقفةً خاصّةً عند ثالثة الأثافي التي رميتني بها حين تدخّلْتَ بكلّ جرأةٍ لدى أصدقائك في مجلّة “العربي” الكويتية، لكي أُحرم من المكافأة المالية التي كانت قد خُصّصت لي برسم المقالة التي كتبْتُها بعنوان “الثّورة الصّناعية الرّابعة والمجتمع الخامس” (نُشرت في الصفحة 30 من العدد 750 لشهر مايو 2021، وهي منشورة أيضًا عبر الويب)، والحال أنّك أنت الذي كنت وسيطًا في هذه العملية من أوّلها إلى آخرها، وأنت الذي على علاقة وطيدةٍ بالقائمين على هذه المجلّة. فمن استحوذَ على هذه المكافأة؟ كان في إمكاني أن أصل إلى من فعل ذلك، لو كنتُ قاضيتُ المجلّة، بعد إدخالك أنت – باعتبارك وسيطًا – والسّفارة الكويتية في الدّعوى، ولكنّك تعلم جيّدًا أنّني أترفّع عن هذا النّوع من الممارسات.
ختامًا، يمكنني الجزم بأنّه لا يُعوّل عليك إطلاقًا، سواء لحلحلة الوضع المُزري الذي يتخبّط فيه الاتّحاد، أو لمواجهة ما يتعرّض له من جمودٍ لن تفيد فيه لا خطاباتك المكرورة ولا مهارتك في التّسويف. ويبقى الحلّ الوحيد، في جميع الأحوال، هو أن ترحل وتترك منصب الرّئاسة لمن يستحقّها.. فلقد ملّ الجميع من ضجيجك.
وبه وجب التّوضيح، والسّلام.
«وإن عُدتم عُدنا».

*كاتب وروائي

التعليقات على الروائي كمال الخمليشي يوجه رسالةٌ مفتوحةٌ إلى الرّئيس “الأبديّ” لاتحاد كتاب المغرب مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

كريم غلاب: لن أترشح إلى اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال والخلافات يمكن أن تقع في أي تنظيم