محمد طروس
(1)
كبش نموذجي. يردد الشناقون صفاته الإغرائية: سردي، أبيض الوجه، ملولب القرنين، مكتمل الذيل، أسود الحوافر، سليم الأذنين. تحاصره الأنظار. تتعالى هتافات المعجبين. تشتد سواعد الشناقين. يتسرب الزهو إلى أعماق الكبش الفاتن. تنتعش القرون. يطاول العنق الفضاء.. تومض السماء شعاعا غريبا..
(2)
يرتجف السردي. يرتعد. يتصبب غطاؤه الصوفي عرقا. تشرق عيناه. تحمرَّان غضبا. يفتح فاه. تصطف أسنانه الرباعية.. ينتصب قَرْناه.. يحرك حافره الأيمن. يدق على سطح الشاحنة. تنتبه الأكباش المكدسة. تستعد للأوامر. يتطلع السردي إلى السماء. يتلقى شحنات قوية. تنتصب القرون. تتحرك الحوافر. تهتز الشاحنة. تهتز الشاحنات المجاورة.
(3)
يهيج الكبش المختار. يتحول الغثاء زئيرا. يتراجع.. يتأهب للانطلاق. تفسح الأكباش المجال. يصيح “المختار”. يرتمي من الشاحنة. يتبعه الأتباع. يختلط الغثاء بالنباح بالهدير بالزئير بزعيق الكائنات الميكانيكية. تختلط القرون بالحوافر. يتصاعد الغبار. تتطاير عواصف القش والبرسيم والفحم الحجري وأنفاس الشناقين. ينتشر الخبر.
(4)
يتقاطر الصحافيون، المخبرون، المحللون. يستمر المختار في هيجانه. تتسلط الكاميرات، تحوم المروحيات، تُستنفر الذبابات. يستمر المختار في سيره نحو قمة الجبل. تلهث الأكباش وراءه. تتنمّر.. يهرول الشناقون.. تقترب مروحية القناة الكبشية من رأس المسيرة. تركز على الزعيم. تأخذ وجهه في لقطة مكبرة. تضيق أكثر، تؤطر عينيه العسليتين.. تتسابق التعاليق، الأوصاف، الروايات، المزايدات، التأويلات، الفتاوي. التهديدات. يحاول المحللون عبثا، بناء تفسير مقبول، معقول، قابل للهضم، للبيع، للرواج والتوزيع. يزداد عطش المتلقين للمزيد من الفهم، لتفصيل تفاصيل الأخبار، للجرعة التحليلية الكافية من أجل نوم هادئ مطمئن.
(5)
يستمر المختار في طريقه. تزداد حوافره إصرارا على المسير. لا يسأل. لا يتساءل. لا يهتم أصلا بالسؤال. ولم السؤال؟. جاءه صوت السماء. صدق أنه صوت السماء. كبر الصوت في مخيخه.. ليصدع بالأمر.. يتوقف على بعد خطوات من قمة الجبل. يأخذ نفسا عميقا. تتمطط قرونه نحو الأعلى. تتماس القرون بأضواء غريبة. تسيطر الدهشة على الجميع. تضطرب أجهزة الاتصال.
(6)
يلتفت المختار. ينظر من أعلى، يمسح المكان. يتلذذ.. يبحث عن امتداد لعليائه. يرفع رأسه نحو السماء. يستعد للنبأ العظيم.. يتطلع الأتباع الأصفياء إلى الزعيم.. يتلقون ابتسامته الخفية برضا وخنوع.. يتسرب الاطمئنان إلى الأجساد السمينة.. يعم الصمت. تبتلع المسيرة أصواتها. تختزن القرون شرارتها. أخيرا سيتكلم المختار…يفتح فاه. تُشرع الآذان. يصرخ المختار. يصيح. ” ماع.. ماع .. ماع..” يردد القطيع: ” ماع.. ماع.. ماع”.
(7)
يبتسم المختار. تنشرح افئدة الأتباع. تمعمع الصحافة. تمعمع القنوات التلفزية. تمعمع الأحزاب، النقابات، الأكباش. تشعل عبارة ” ماع.. ماع .. ماع..” جدلا قويا حول دلالة الخطاب.. تتناسل القراءات والتحليلات والاقتراحات. يرجَّح تأويل مقبول.. تأويل ينبني على مبدأ ” انتفاء الدافع”. لا أحد ينحر ابنه قربانا.. إذن لا معنى لإراقة دماء الأكباش. يرتاح المحللون والمتلقون..
ينهي المختار معمعاته، بعيدا عن التأويل.. ينزل من الجبل.. تتبعه الأكباش.. تُمد الأعناق للنحر. تستمر الحكاية إلى الأبد…ماع ماع ماع…
لقجع وبوريطة يؤكدان “التزام” وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية
أبرز ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي و المغاربة المقيمين في الخارج، وف…