علي جوات
مع بدءِ العد العكسي للانتخابات التشريعية المقبلة، بدأت الحملات المسعورة في كل الاتجاهات، وبشتى الأساليب حتى القدرة منها. كل شيء مستباح. فحتى خصوصية الناس وحياتهم الشخصية أصبحت مادة دسمة للضرب السياسي تحت الحزام، في جو طغت عليه الفضائحية والتشهير، وهذا يظهر جليا بعد الضجة الكبيرة التي تلت واقعة توقيف القياديين بحركة التوحيد والإصلاح فاطمة النجار وعمر بنحماد، الذين، وحسب الرواية الأمينة، ضبطا وهما في وضع جنسي حميمي داخل سيارة، بجانب البحر…، حيث أن السياسة السياسوية والإفراط في الإيديولوجية من منطق الصراع المغلوط غطى على الجانب الحقوقي الواضح في الواقعة.
ما أثارني في النقاش الدائر هو الانتقائية في التعاطي مع مثل هذه الوقائع، فكيف نقبل نحن الديمقراطيون المؤمنون حتى النخاع بالمرجعية الحقوقية في كونيتها وشموليتها، أن يتم التعدي على فضاء خاص يجمع شخصيين راشدين، من طرف السلطات. وهنا بغض النظر عن القوانين المتخلفة والرجعية التي تحكمنا، فالتدخل في الحرية الشخصية للموقوفين، يُعد تعديا على حقوقهما، لأن ما فعلاه لا يؤذي المجتمع ولا الدولة، بل يدخل في خانة الحرية التي لا تتجزأ. سيأتي شخص ويقول إن المعنيين قياديان إسلاميان ومن أشد المحاربين لحقوق الإنسان وللمدافعين عنها.
حتى إذا اتفقنا مع هذا، فمتى كان التعاطي مع الملفات الحقوقية يميز بين الإنسان من حيث اللون أو الدين أو الاختيارات السياسية والإيديولوجية. لقد حسم الحقوقيون مبكرا مع مقولة: لا حرية لأعداء الحرية، ولا أدل على ذلك من أن أكثر من طالب وناضل من أجل تمتيع السلفيين، حتى الدمويين منهم، بظروف اعتقال إنسانية ومحاكمات عادلة، هم الحقوقيون (العلمانيون).
من جهة أخرى، سيقول قائل: الإسلاميون يقولون مالا يفعلون ويكذبون على المجتمع حين يدعون إلى تحريم العلاقات خارج القانون وهم يمارسونها في الخفاء. يا صديقي “النفاق” و”الازدواجية” ميزة من مميزات مجتمعنا الذي مازال الفرد فيه يعيش صراع الحداثة والتقليد، ومازال التشريع فيه يعرف ازدواجية بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية؛ حيث أن هذا النفاق لا يختصر على الإسلامي فقط بل إن العديد من اليساريين والعلمانيين لا يشهرون إلى النزر القليل من علمانيتهم على الملأ!
هنا تلتقي أصولية الشارع والمجتمع، مع تخلف الدولة وقوانينها رغم مزاعم التحديث، مع المواقف المتخاذلة والمرتجفة لبعض دعاة حقوق الإنسان والديمقراطية، فهؤلاء يقولون بأن الحريات الفردية هي قضايا ثانوية وأن الأولوية والأهمية هي للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وأن أي حديث عن العلمانية هو انتحار سياسي، وأن النضال من أجل الحريات الفردية هو نضال “برجوازي ليبرالي”… يغيظني هذا الكلام حتى أشعر بالتقزز من تقيتهم وكذبهم وتزييفهم للحقيقة، فإما أنك علماني ديمقراطي مع الحقوق والحريات بشكل مبدئي أو أنك ضدها تماما، وإذا كنت علمانيا ديمقراطيا، فعليك أن تخرج بوجهك الحقيقي إلى الناس دون تقية وتلاعب بالمفاهيم.
أعتقد أن النقاش الذي يجب أن يفتح الآن هو: هل حان الوقت لتغيير القانون الذي ينتهك الحريات الفردية للأشخاص؟ مع العلم أن القوانين تنتج وتغير حسب الطلب المجتمعي وحسب تطور الوعي وارتفاع الضغط، فلا يمكن أن يكون القانون مكبلا لاختيارات المجتمع، وخير دليل على ذلك أن من هم أكثر تعصبا ومحاربة للأفكار والقيم الديمقراطية والحداثية هم أنفسهم يقبلونها –قناعة أو كُرها- فلا ينقص سوى تغيير القوانين التي تمنع الدولة والأفراد من التدخل في حياة الناس وعلاقاتهم المحض خاصة.
اليوم كل الحركات الإسلامية، السياسية والدعوية، تعترف بأن المجتمع واختيارات الأفراد، أصبحت تتجاوز نصوصها أو بالأحرى تأويلاتها للنصوص الدينية، وهي تعيش مخاضا بين: من يطالب بملاءمة وإخضاع الواقع للنص الديني في فهمه الجامد، وهذا أصبح العديد من المنظرين الإسلاميين من أمثال سعد الدين العثماني في المغرب يُقرّون باستحالته ولا جدواه. وبين من يطالب بملاءمة النص الديني وإخضاعه لتطورات الواقع، وهذا هو الصواب وهو “الحقيقة”.. ليست الحقيقة الإيديولوجية بل الحقيقة الحتمية والتاريخية.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…