(أستسمح لأن الأحداث دارت في حمام ترتاده الطبقة الوسطى بالعاصمة، وتحديد المكان هنا ضروري لخصوصية الواقعة!)
فتيحة أعرور
دخلت ثلاث نساء أوربيات إلى الحمام فبدأت المدلكات تتشاورن في ما بينهن ومن ستتكلف بتنظيفهن، حسب توزيع الأدوار بينهن. امتعضت اثنتان منهن وتحدثتا بصوت خافت بعض الشيء إلى بعضهما.
قالت الأولى:
– لن أدخل مع أي منهن؟
سألتها الثانية:
– لماذا؟
– لقد استفتيت إمام المسجد ونصحني بأن أكتفي بالعمل مع المسلمات وتفادي النصرانيات!
الله يا ربي ماذا أسمع؟ فعلا داعش صارت على الأبواب!!
لم أشعر وأنا أحشر نفسي في حديثهما:
– عفوا، ماذا قال لك الإمام آلالة؟
أعادت مرة أخرى ما حكته للتو بثقة و”إيمان” مطلقين!
– كيف عرفت أنهن غير مسلمات؟
– من مظهرهن، زعرات وتيهضرو بالفرنساوية، باينة فيهم؟
– قد يكنّ أجنبيات مسلمات، فهناك أوروبيات كثيرات اعتنقن الإسلام وأعرف نماذج منهن…
نظرت إلي بارتياب غير مصدقة ما أقول.
تمالكت أعصابي واسترسلت في الحديث:
– أتعرفين أنك تعصين الله بحكمك هذا على النوايا قبل أن تتبيني من حقيقة الأمر؟ ولنفترض أنهن غير مسلمات، هل علينا أن نقطع علاقاتنا وأرزاقنا لأن الآخر لا يدين بديننا؟ ألا تذكرين كيف كان اليهود والمسلمون المغاربة يعيشون في وئام ومودة؟
حاولت قدر الإمكان الاحتفاظ بهدوئي لأسألها مرة أخرى:
– أنت تؤمنين بأن الله هو الخالق؟
قالت بلا!
– هذه مخلوقات الله سيدتي. ربي لي خلقهم كيف ما خلقك ومخلوقات الله كلها عندو عزيزة. إيمانهن من عدمه مسألة تخصهن وحدهن وبينهن وبين خالقهن!
– بالصح آبنتي عندك الحق!
أجابت مطأطأة رأسها…
غادرت الحمام ونوبة غضب تتملكني. تذكرت شيوخ الخليج وأموال آل سعود التي حملت معها كل الموبقات. تذكرت البرامج الدينية في الإذاعات التي تنشر التطرف صباح مساء خاصة شي حد سميتو “السكاش”!
تذكرت “النموذج الديني المغربي” الذي نتباهى به أمام الأمم، وتكوين الأئمة وتصدير نموذجنا “المتسامح” إلى أنحاء المعمور!
الإمام الذي أفتى على هذه السيدة بعدم تنظيف غير المسلمات إمام مسجد تابع لوزارة الأوقاف!
يا سادة، يا مالكي زمام أمر هذا الوطن. أيها الحاكمون الفعليون، ماشي بنكيران لأنه لا يحكم حتى لسانه!
لن تقضوا على التطرف بخلق “جبهة حداثية” ضد الإسلاميين، ولا بالإفتاء “بخط ثالث”، يقال والله أعلم أنه يساري، من أجل تحييد اليسار الذي لا يريد الانضمام إلى “الجبهة الحداثية” المفترى عليها وإبعاده شيئا فشيئا عن قواعده وإضعافه في المستقبل، وكذا سد الباب نهائيا أمام أي إمكانية للحوار بين الفرقاء (إسلاميين، ليبراليين ويساريين) تهدف إلى بناء الديمقراطية ومستقبل الكرامة.
لن تقضوا على التطرف بالقبضة الأمنية فالسجون ممتلئة عن آخرها.
نحن في مأزق حقيقي يحتاج إلى الكثير من الحكمة والروية والابتعاد عن التعنت والعناد.
نحن جميعا في سفينة واحدة وإذا غرقت سيضيع الجميع. فحتى الفرار لم يعد ممكنا ولا مكان آمن بعد الآن فالكل يرتجف في مكانه ويتساءل ما إذا كان دوره قد حان.
الحاكمون الفعليون لهذا العالم يزرعون الفوضى في كل مكان، والرأسمالية المتوحشة تعيش أزمة وتخبطا حقيقيا. فلا صديق للوبيات المال والأعمال التي تعيد رسم العالم من جديد ضمانا لمصالحها.
القبضة الحديدية التي أمسك بها القذافي ليبيا لسنوات دمرت كل شيء وأدت إلى الفوضى والدمار. لو امتلك الرجل شيئا من الحكمة لما تفككت ليبيا ولما ضاع البلد.
ليست الثورة التي أدخلت ليبيا في المجهول، بل سوء التدبير فالضغط لا يولد سوى الفوضى والانفجار والدمار.
رجاء يا سادة،
دعوا مصلحة الوطن والإنسان تعلو فوق اعتبارات المصالح والحسابات الشخصية.
دعوا أبناء الوطن الواحد يتحاورون حتى يتوصلوا إلى أرضية للعيش المشترك.
دعوهم يستثمرون الممكن في أفق بناء ديمقراطي صلب لا تهزه الرياح العاتية.
لن تقضوا على التطرف بالتقاطبات وتخويف “الحداثيين” من الإسلاميين وافتعال التوترات الهامشية.
من يعتقل مفطري رمضان؟
من يختار أئمة المساجد المتشددين؟
لا تقولوا بنكيران أو العدل والإحسان المشمعة بيوت أعضائها؟
لا تقولوا إن داعش أنتجتها حركة العدل والإحسان. داعش خرجت من رحم مملكة آل سعود التي نتباهى بصداقتها!
البناء الديمقراطي الحقيقي يحتاج إلى إرادة أفقية وعرضانية.
البناء يحتاج للتنازل من هذا الطرف وذاك…
قليل من الحكمة رجاء قبل أن تقع الفأس في الرأس حيث لن تجدي لا “ليت” ولا “ماذا لو” ولا “حتى”…
قليل من الحكمة قبل أن يفوت الأوان يا سادة.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…