د. الطيب حمضي
نحاول في هده الورقة الإجابة عن تساؤلات المواطنين والأسر وأرباب المقاولات والمقررين عما ينتظرنا وينتظر الجميع خلال الأسابيع والأشهر التي تلي رفع الحجر الصحي، حتى يتمكن الجميع من امتلاك رؤية واضحة لسيناريوهات المستقبل والاستعداد بشكل جيد لما هو آت.
تواجه بلادنا مثل كل دول العالم تحديين اساسين بعد رفع الحجر الصحي: تحدي تجنب الانتكاس، وتحدي مواجهة احتمال موجة ثانية من الوباء أو مُوِيجات vaguelettes متتالية.
فشلنا لا قدر الله في أحد هدين التحديين أو فيهما معا يعني إصابات ووفيات واحتمال عودة الحجر الصحي بكل تأثيراته السلبية النفسية والاجتماعية وعلى الاقتصاد الوطني والتعليم والتكوين وأداء المؤسسات… تأثيرات من الصعب تصورها فالأحرى تحملها.
1ـ في الفرق بين الانتكاس والموجة الثانية.
الانتكاس أو Recrudescence هو حالة محلية أو وطنية تنتج عن عودة انتشار الفيروس بقوة بعد خفوته، وهي حالة قد تحدث خلال نفس الموجة، ويمكن تجنبها باحترام الارشادات الطبية. على عكس الموجة الثانية والتي لها علاقة بطبيعة الفيروس نفسه وبخصائصه وبتطور الجائحة عالميا، وليس فقط بما نتخذه نحن محليا من إجراءات، وبالتالي لا يكون لنا في حدوثها اليد الطولى، وان كان بإمكاننا التحكم في قوة مواجهتها والحد من تأثيراتها.
2ـ الحجر الصحي هو فقط اجراء واحد من عدة إجراءات يتم اللجوء لها لمحاصرة الوباء. هناك الإجراءات الحاجزية (غسل اليدين بالماء والصابون او المطهرات الكحولية، التباعد، الكمامات، عدم لمس الوجه باليدين قبل تطهيرهما، وتهوية المنازل والمكاتب والمنشآت)، البحث واستعمال دواء فعال، البحث واستعمال لقاح فعال وآمن. كما ان المناعة الطبيعية الجماعية هي وسيلة للقضاء على الوباء لكن في حالة كوفيد 19 مستبعد اللجوء لها او الاعتماد عليها.
3ـ إيجاد لقاح امر لن يكون متاحا قبل منتصف 2021، رغم أن كل المؤشرات تبشر بالقرب الوصول له قبل متم السنة الحالية، لكن يبقى امر انتاجه بكميات كبيرة تحديا مهما. العلاج الفعال غير متاح حاليا رغم تقدم الأبحاث.
4ـ في انتظار دلك، ومن أحل تجنب الانتكاس يجب علينا جميعا خلال وبعد رفع الحجر الصحي الاستعمال الجيد والمحكم للأسلحة الوحيدة المتاحة امامنا اليوم لمواجهة الفيروس والحد من انتشاره لعدة أشهر أخرى أمامنا وهي:
5ـ الاحترام التام والكامل للإجراءات الحاجزية بدون أي اهمال أو عياء او تراخي.
6ـ اجراء التحاليل والكشوفات على أوسع نطاق لاكتشاف الحالات الجديدة فور اصابتها وقبل تحولها الى بؤر، ومحاصرة البؤر في بدايتها.
7ـ القدرة على تتبع وضبط المخالطين بأقصى سرعة، ومن هنا أهمية تحميل تطبيق وقايتنا من اجل المساهمة المواطنة في حماية أنفسنا وعائلاتنا ومحيطنا المهني وحماية بلادنا.
8ـ القدرة على عزل المصابين الجدد والمخالطين ومعالجتهم عند الضرورة.
9ـ سيناريوهات تطور الوباء.
سيناريوهات مصير وباء كوفيد 19 يحدده بعض الخبراء في ثلاث احتمالات: يمكن ان يختفي وباء كوفيدـ19 تماما (حالة كورونا 1 الاسيوي سنة 2003)، او يختفي ويبقى في خزان حيواني (حالة كورونا الشرق الأوسط 2012)، او يبقي ويستمر ويكون موسميا مثل الانفلونزا الموسمية مثلا.
10ـ احتمال الموجة الثانية.
الباحثون يرجحون احتمال بقاء الفيروس واضطرارنا للتعايش معه وهو مصدر قلق وفي مرحلة لاحقة وهو متحكم فيه لمدة. هناك باحثون يتوقعون نهايته الآن ولا يتصورون موجة ثانية. لكن آخرين أكثر خبرة مع الاوبئة يؤكدون اننا امام احتمال كبير جدا لموجة ثانية في الخريف المقبل بالنظر للمعطيات العلمية المتوفرة. دراسات الأوبئة السابقة تظهر ان وباء من كل اثنين يعرف موجة ثانية. قد تكون الموجة الثانية اقل شدة من الأولى وقد تكون أطول وربما أكثر شدة منها. فمثلا بالنسبة لمديرة المركز الأوربي للوقاية ومراقبة الامراض الخبيرة الألمانية اندريا امون (منسقة الجهود الأوربية)، وللخبير الأمريكي انطوني فوشي (ملحق حاليا بالبيت الأبيض)، والخبير الألماني كريستيان دروستن الدي ينصح المستشارة الألمانية في الموضوع، السؤال ليس هو هل هناك موجة ثانية ولكن: ما هي قوة وشدة الموجة الثانية؟
احتمال الموجة الثانية مرتبط بالفيروس وطبيعته وتقلباته وبحالة الجائحة عالميا، وليس مرتبطا بنا فقط. مجهوداتنا يمكن ان تقلل من وطأتها وليس تجنبها تماما عكس حالة الانتكاس التي يمكننا تفاديها.
كمهنيين وكمنظومة صحية وكمدبرين للشأن العام علينا ضمان استمرار العمل وكأننا امام أحسن السيناريوهات، وفي نفس الوقت الاستعداد لمواجهة أسوأها. غير مسموح لنا ان نعرض بلادنا وشعبنا للمخاطر المحتملة تحت دريعة عدم درايتنا او توقعنا.
لدلك علينا من الان:
ـ على المستوى الصحي:
11ـ إعادة ضبط المنظومة الصحية وتعزيزها على ضوء الدروس المستخلصة من المرحلة الأولى.
12ـ تدارك كل ما فات خلال فترة الحجر من مراقبة وتتبع للأمراض المزمنة وتلقيح الأطفال ومتابعة صحة الام والطفل ومتابعة وكشف حالات السرطان واجراء الفحوصات التكميلية واجراء العمليات الجراحية المؤجلة. تفاديا لتراكمها وتعقدها في حال الموجة الثانية.
13ـ ضبط برنامج واسع لتلقيح أوسع ما يمكن من الفئات الاجتماعية ضد الانفلونزا الموسمية للموسم المقبل، بداية من شهر شتنبر، وفي مقدمتهم كبار السن والمرضى المزمنين والمهنيين الصحيين والمشتغلين في الواجهات الامامية صحيا واقتصاديا وأمنيا.
14ـ تكوين مخزون استراتيجي من وسائل الوقاية والحماية بالنسبة للمهنيين الصحيين والمتدخلين المباشرين، ولباقي المواطنين وللمؤسسات والمقاولات.
على مستوى قطاع التعليم والتكوين:
15ـ تهييئ المخططات الضرورية والشروط الصحية الملائمة لاستئناف العملية التعليمية في الدخول المقبل، ومواصلتها رغم الموجة الثانية كلما أمكن.
16ـ تهيئ المضامين التعليمية الرقمية من الآن وتهيئ البنية التحتية الرقمية والشبكات الضرورية للتعلم عن بعد بجودة عالية، لاستعمالها عند الضرورة، اما كليا لمدة محددة، او تكميليا في حال عدم اغلاق المدارس والاكتفاء بالتخفيف من عدد التلاميذ في الأقسام.
ـ بالنسبة للمقاولات:
17ـ تهيئ المخططات للتكيف مع احتمال الموجة الثانية بتوفير وسائل الحماية، وتكوين مخزون استراتيجي.
18ـ وضع السيناريوهات لمواصلة العمل بنصف الطاقة البشرية مثلا، او بربعها، او بها كاملة، مع تغيير نمط العمل حسب الحالة الوبائية وقتها. على ان يكون الهدف هو استمرار العمل ودورة الاقتصاد عوض توقفها.
بالنسبة للمؤسسات العمومية والخاصة والشبه عمومية والإدارات:
19ـ توفير وسائل الحماية للعاملين والمرتفقين وتكوين مخزون من تلك الوسائل.
20ـ العمل على تسريع رقمنة الخدمات لتسهيل الوصل اليها والاستفادة منها ومواصلة العمل دون توقف بسبب الوباء، وتهيئ الخطاطات للتكيف مع احتمال الموجة الثانية لضمان مواصلة العمل وتقديم الخدمات حسب الحالة الوبائية وحسب إمكانيات التباعد.
وبالقياس، بالنسبة لكل القطاعات المنتجة والاجتماعية والخدماتية والفلاحية والتصدير، والمتوقفة على المواد الأولية المستوردة، وكل الأنشطة: توفير وسائل الحماية وتوفير مخزون منها، وتهيئ سيناريوهات مواصلة العمل في ظروف الوباء بتكيف معه، وسبل مواصلة الإنتاج وتصريفه بطرق ملائمة.
ونفس التدبير بالنسبة للأسر والأفراد مع برمجة الأشهر المقبلة والتزاماتهم حسب هده المعطيات والسيناريوهات والاستعداد لها من جميع مناحي الحياة الصحية، والتعليمية والمالية والعمل والتعاقدات والالتزامات المختلفة.
بإمكاننا ان نتجنب الانتكاس بالالتزام الواعي بالإجراءات الصحية، ونتمنى ان لا تكون هناك موجة ثانية، ولكن كدولة وكسلطات صحية علينا ان نهيئ ونستعد لهدا الاحتمال، حتى ادا ما حدث نكون جاهزين للمواجهة وبدون خسائر كبيرة، وخصوصا دون ان نكون مضطرين للحجر الصحي أبدا او على الأقل ليس بهده القوة أو بهذا الطول.
هدا الاحتمال هو قائم دون ان نعرف شدته ولا الإجراءات التي ستضطر بلادنا لأتخادها. ولكن بالنسبة لاحترام الإجراءات الحاجزية هدا امر لا نقاش فيه، بينما الحجر الصحي ليس ضرورة لا مفر منها، وان كان مطلوبا فليس بالضرورة ان يكون شاملا، بل قد يكون جزئيا. وهنا دور احترامنا للإجراءات الحاجزية واستعدادنا بشكل مبكر لتفادي الحجر الصحي الشامل وتداعياته السلبية على الاسرة الافراد والمجتمع وعلى الدورة الاقتصادية.
الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري
نظمت، مساء أمس الجمعة بمسرح محمد السادس بالدارالبيضاء، أمسية فنية تكريما لروح الفنان الراح…