عبد الرحمان ارسموك*
استطاع فيروس كورونا أن يتصدر جميع وسائل الإعلام السمعية والبصرية، وشبكة الأنترنت، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حل هذا الفيروس محل عدد كبير منالمشاكل والنزاعات التي كانت تؤرق العالم.
فلم نعد نسمع عن الإسلاموفوبيا ولا الإرهاب الديني ولا الصراعات الإقليمية، في حين أصبح شغلنا الشاغل تتبع تحركات وانتشار هذا المخلوق المجهري الشرس، الذي أضفى على المجتمعات موجة من الرعب والهلع، وأدخل العالم في ركود اقتصادي وعزلة لم تعرفها البشرية منذ قرون.
ونتيجة لهذا الوباء، تباينت آراء الصحفيين والكتاب والباحثين وتعددت كتاباتهم، فمنهم من اعتبره جزءا من نظرية المؤامرة، بخلفية أن السياسة العالمية تستهدف البشرية بالتقليل من عددها في هذه البسيطة، ومنهم من صنفه ضمن حرب اقتصادية ومالية بين الدول العظمى، ارتكزت على تركيب هذا الفيروس في غياهب المختبرات المنتشرة عبر بقاع العالم والعمل على نشره، لبيع اللقاح المناسب له وتسويقه فيما بعد قصد جني مليارات الدولارات، بعد أن يكون قد انتشر في جل دول العالم وحصد أرواح الملايين من البشر.
وبعدما تأكد بأن العالم قد غدا قرية صغيرة بالفعل، واستحال على أي بنية كانت، سياسية أو اقتصادية أو غيرها، أن تعيش في عزلة عن العالم، نظرا لتعقد التعاملات فيما بين الدول وتشابكها، وتبادل وتنقل الأفراد والسلع والخدمات فيما بينها بشكل لا يمكن تفاديه أو الاستغناء عنه، فقد تم التسليم بأن جل دول العالم عرضة لتهديدات هذا الوباء وتداعياته، مهما نأت عن بؤرة ظهوره.
ونظرا للانتشار الرهيب الذي عرفه هذا الوباء عبر أرجاء العالم، وتعدد الوفيات من جرائه، وارتفاع الأعداد المؤكدة لحاملي الفيروس المسبب له، فقد بادر المغرب، محاولة منه لمحاصرة هذا الوباء والحد من انتشاره، إلى اتخاذ إجراءات استباقية وجريئة، اتخذت بالخصوص طابعا قانونيا واقتصاديا:
في ظل الظرفية الراهنة المرتبطة بتفشي وباء كورونا في العالم، ولتقنين عمل القطاعات المعنية بحصر انتشار هذا الوباء في المغرب، خاصة وزارة الداخلية ووزارة الصحة، أصدرت الحكومة في هذه الحالة الاستعجالية، بناء على التعليمات السامية لجلالة الملك، مرسوما يحمل رقم 2.20.269 بتاريخ 16 مارس2020 بإحداث حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل اسم “الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد19″.
يهدف إحداث هذا الصندوق، على الخصوص، إلى تأهيل المنظومة الصحية ودعم الاقتصاد الوطني من أجل مواجهة آثار انتشار هذه الجائحة، من خلال مجموعة من المقترحاتالتي تقوم بإعدادها لجنة اليقظة الاقتصادية المحدثة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بهدف رصد الوضعية الاقتصادية الوطنية وتتبع القطاعات المتضررة، فضلا عن تأمين النفقات المتعلقة بالحفاظ على مناصب الشغل والتخفيف من التداعيات الاجتماعية للجائحة المذكورة.
كما بادرت الحكومة خلال هذه الفترة التي تفصل بين دورات البرلمان، وباتفاق مع اللجنتين التي يعنيها الأمر، إلى إصدار مرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، يهدف إلى تنظيم هذه الحالة الطارئة في البلاد دون المساس بالحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في الدستور.
ونظرا لخطورة الوضع الراهن وعدم معرفة ما قد يترتب عن هذا الوباء من عواقب وخيمة، فقد منحت المادة الخامسة من المرسوم بقانون للحكومة حرية واسعة في اتخاذ ما تراه مناسبا من إجراءات ذات طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي تكتسي صبغة الاستعجال، مع ضرورة توافر بعض الشروط، بهدف مواجهة الآثار السلبية المترتبة على إعلان حالة الطوارئ الصحية.
ولم يغفل هذا المرسوم بقانون التنصيص على عقوبة حبسية وغرامة مالية في حق المخالفين للتقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية، وكذلك كل من عرقل تنفيذ قراراتها عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه أو التحريض أو الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية.
وبالموازاة مع صدور المرسوم بقانون المذكور، وتطبيقا للمادة الثانية منه، فقد صدر بالجريدة الرسمية في ذات اليوم مرسوما يحمل رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا “كوفيد 19″ .
كل هذه الإجراءات التي تم اتخاذها على المستوى القانوني، إنما تهدف إلى إرساء أرضية للمشروعية، في إطار دولة الحق والقانون والمؤسسات، واحترام الاختيار الديمقراطي المكرس دستوريا، من خلال تثبيت سند قانوني لكل المبادرات والتدابير المتخذة من قبل السلطات العمومية، بهدف احتواء تفشي هذا الوباء، وكبح انتشاره، وتفادي آثاره السلبية على الاقتصادوالمجتمع.
على المستوى الاقتصادي، تمكن هذا الوباء من إدخال العالم في انكماش اقتصادي مفاجئ، لا يعرف ولا يقدر نهايته إلا بمدى قدرة الدول على احتواء هذا الفيروس، والحد من انتشاره، إما بإيجاد لقاح له أو برفع مستوى الوقاية من الإصابة به.
وليس المغرب بمعزل عن هذا الركود والانكماش، بحكم ارتباطه بالقارة الأوروبية التي صنفتها المنظمة العالمية للصحة الأولى عالميا لتفشي الوباء، حيث باتت عدد من القطاعات عرضة لأضرار فادحة بفعل تداعيات هذا الوباء، فحسب مذكرة القسم التجاري لمكتب الاتحاد الأوربي بالمغرب حول الآثار الاقتصادية لهذا الفيروس كوفيد 19، فإن معدل النمو الاقتصاد المغربي سيتراجع إلى 0.8٪، أي بمعدل 2.3–٪ وهذا مرتبط أيضًا بسوء محصول الحبوب لهذه السنة.
وفي القطاع التجاري، يتوقع انخفاض بنسبة 20٪ في إجمالي حجم السلع المتداولة، أي ما يعادل خسارة 2.6 مليون طن كل شهر اعتبارًا من مارس 2020، وفقًا لدراسة أجراهاCFG Bank، علاوة على تباطؤ محتمل في الصادرات بسبب تعطل سلاسل التوريد، وطول مدة معالجة الملفات، وقلة الطلب الأجنبي للسلع المغربية، فضلا عن انخفاض فاتورة الطاقة، وهذا ناتج عن تراجع أسعار النفط (حاليًا أقل من 30 دولارًا للبرميل).
أما في القطاع السياحي، فقد أشار المكتب إلى كون الخسائر في هذا القطاع تقدر بنحو 34.1 مليار درهم من حيث حجم حركة السياحة في سنة 2020، و14 مليار درهم من حيث رقم المعاملات في المجال الفندقي، مسجلا انخفاضا حادا للسائحين، حدد بنسبة 98٪ من التراجع في هذا القطاع، مما سيؤدي إلى تعريض ما لا يقل عن 500.000 وظيفة و 8500 شركة سياحية للخطر، أما بالنسبة للنقل الجوي فتقدر الخسائر بحوالي 4.9 مليون مسافر.
ولن يكون قطاع السيارات أحسن وضعا من سابقيه، فسوف يكون لقرار وقف النشاط بالنسبة لشركتي RENAULT و PSAمن خلال إغلاق مصانعهما مؤقتًا ابتداء من 19 مارس 2020 تأثيرا كبيرا على 180.000 عامل يعملون في صناعة السيارات، و250 موردا من موردي معدات السيارات الذين يعملون في المغرب.
ونظرًا لكون قطاع التصدير الرائد في البلاد بنسبة 27٪ من الصادرات في عام 2019 مع حجم مبيعات يزيد عن 7 مليار يورو، فإن أي انخفاض في نشاطه سيكون له تأثير قوي على الميزان التجاري، وهذا ينطبق أيضا على قطاع النسيج والملابس حين توقفت الطلبيات من الصين، وتراجع الطلب الخارجي خاصة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
ولتذليل هذه المخاطر ومحاولة الحد منها، ولاسيما بالنسبة للقطاعات المذكورة المهددة بشكل كبير بتراجع مستوياتها الإنتاجية، فقد لجأ المغرب، علاوة على إنشاء الصندوق الخاص لتدبير آثار جائحة فيروس كورونا، إلى اتخاذ تدابير استعجالية وقائية للحفاظ على السير العادي للعجلة الاقتصادية، نذكر منها على سبيل المثال:
أما المرحلة الثانية، فتهم الأسر التي لا تستفيد من خدمة راميد، والتي تعمل في القطاع غير المهيكل والمتوقفة عن العمل بسبب الحجر الصحي، فسيتم منحها نفس المبالغ المذكورة سابقا.
* دكتور في القانون العام
اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين
شهدت مدرجات ملعب فرنسا الدولي مناوشات قوية بين الجماهير الفرنسية ومشجعين إسرائيليين خلال م…