عن إضراب طلبة كليات الطب: حقائق لا يمكن القفز عليها ونداء الى الحكمة الجمعية

الطيب حمضي

إضرابات واحتجاجات طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان في كل الكليات المغربية، استمرت لأشهر. رغم الحوار المتقطع والاجتماعات والوساطات المختلفة كانت آخر محطة هي مقاطعة الامتحانات بشكل شبه تام، مع ما يتبع حاليا ذلك من تداعيات.
في التكتل النقابي لأطباء القطاع الخاص والدي يضم نقابات الأطباء والمصحات بالقطاع الخاص، وبحكم معرفتنا عن قرب لظروف التكوين الطبي بالمغرب وظروف الممارسة الطبية بالمغرب، استشعرنا حساسية وخطورة اللحظة و بادرنا بكل مسؤولية بإصدار بيان أسبوعان قبل الامتحانات عبرنا فيه عن تضامننا مع نضالات الطلبة وتفهمنا لمطالبهم ومساندتنا لهم لتحقيق المطالب بما يسمح بتكوين طبي لائق ويتلاءم مع الحق الدستوري في تكافؤ الفرص أمام الجميع. وحيا البيان روح الحوار ودعى الطلبة والوزارتين الوصيتين الى التشبث بالحوار سلوكا حضاريا لمعالجة الوضع. وطالبنا الوزارتين باقتراح حلول استثنائية وحوار مع كل الاطراف المعنية بالتكوين الطبي في المغرب يفضي الى حلول معقولة ومشروعة لما تبقى من نقط المطالب. كما ناشدنا من جهة اخرى الطلبة الاستمرار في الحوار والالتحاق بالمدرجات والمستشفيات لاستئناف التكوين وإجراء الامتحانات. مع مواصلة الحوار والنضال من اجل النقط العالقة من اجل ايجاد حلول مسئولة و مشروعة وقانونية لها.


للأسف لجن التنسيق الطلابية الوطنية والجهوية كان لها رأي أخر وقررت الدعوة لقاطعة الامتحانات.
هدا قرارهم الذي نحترمه بكل تأكيد، وان كنا كنقابيين وكمتتبعين لنا وجهة نظر أخرى.
اختلافنا في التقدير نابع من رؤيتنا لاستشراف المستقبل وقراءة متأنية لواقع الحاضر وتجارب الماضي. ونابع كذلك من قراءتنا للوضع الحالي الذي يجب أن نسطر فيه على عدد من الحقائق:
– وضعية التكوين الطبي في المغرب تحتاج الى مراجعات عميقة من حيث المناهج ونظم الامتحانات وتوفر الوسائل البشرية والمادية للتكوين ووجود المستشفيات الجامعية لإجراء التداريب.
– وضعية طلبة كليات الطب الدين يقضون 7 سنوات في التكوين الأساسي تحتاج الى مراجعة أكثر من عميقة، فهم يقدمون خدمات ويتعرضون للمخاطر في ظروف مزرية.
– نجح هؤلاء الطلبة في احتجاجاتهم وفي تواصلهم وفي إيصال رسالتهم للمسؤولين وللرأي العام بفضل استعمال كل وسائل التواصل المتاحة ولكن أساسا بفضل وحدتهم.
– قرار خلق كليات طب خاصة بالمغرب لم يسبقه تشاور واسع ونقاش حول الحاجة والمردودية، ولا حول الظروف والشروط والمآلات الممكنة بتشعباتها المختلفة.
– تخلّي المجتمع من خلال مؤسساته وهيآته المختلفة عن حماية الخدمة العمومية في ميدان التكوين والميدان الصحي ليس بمعنى منع المبادرة الخاصة ولكن الدفاع عن خدمة عمومية كحق دستوري وذات جودة لا يكون فيه العرض العمومي ملجأ فقط لمن لم يتمكن من العرض الخاص بل يكون فيه العرضان العام والخاص جنبا الى جنب في خدمة المواطن.
– حقق الطلبة بفضل نضالهم عددا كبيرا من المطالب المطروحة وأوصلوا صوتهم الى كل شرائح المجتمع، بقيت بعض النقط القليلة – والمهمة- تحتاج لمزيد من الحوار والتشاور مع مختلف المتدخلين في قضية التكوين الطبي ومع ممثلي المجتمع بشكل عام.
– في قضية المباريات وضرورة حصر الاستفادة منها في  طلبة كليات الطب العمومية ومنعها عن طلبة كليات الطب الخواص، هده النقطة تحتاج الى حوار عميق وإلى مراجعات مهمة والى الاستناد الى الدستور وليس فقط القوانين. إذا كانت كليات الطب الخاصة تعاني ما يمكن تسميته تجاوزا “خطيئة الولادة”، فان الشباب المغاربة الدين يدرسون بهده الكليات والدين ستسلم لهم دبلومات تخولهم معالجة الناس مغاربة أو غير مغاربة، لا يمكن حرمانهم من حقوقهم الدستورية عملا بمبدأ التساوي دون المساس بل العمل على تكريس مبدأ تكافؤ الفرص.
– إذا كان من نقاش يجب أن يثار فهو النقاش الحقيقي حول وجود الكليات الخاصة من عدمه، وشروط الوجود، وهو نقاش يعني المجتع برمته، بكل تأن ومسؤولية وتبصر يكون الهدف فيه أولا المصلحة العليا للبلاد والمواطنين. وكدلك نقاش مسؤول وناضج حول التوفيق بين الحق الدستوري في التساوي ومبدأ تكافؤ الفرص أمام الجميع لمن لهم إمكانيات ومن ليس لهم.
– هذا النقاش يحتاج لمشاركة الجميع: طلبة، أساتدة، أطباء، برلمان، حكومة. وقد أظهرت الاحتجاجات الطلابية الحاجة الملحة لفتح هذا الورش وأن سياسة كم من حاجة قضيناها بتركها لا يمكن أن تنفع في ملف يرهن مستقبل البلاد التربوي والصحي.
– في تقديرنا، بإمكان الطلبة بعد أسابيع من الاحتجاجات الموحدة والقوية وتحقيق العديد من المطالب، استئناف الدراسة واجتياز الامتحانات، على أساس استمرار وحدتهم وتوهج نضالهم، ودخولهم السنة المقبلة موحدين أقوياء بمكاسبهم من أجل فرض حوار حول النقطتين أو الثلاث نقط المتبقية وهم في وضعية وحدة ومسؤولية. وهكذا نتجنب السنة البيضاء التي يستحيل السماح بها بكليات الطب لأن معنى ذلك أن لا يسمح بمباريات هده السنة أمام التلاميذ الحاصلين على البكالوريا، وهو أمر غير مقبول و لن تقبل به آلاف العائلات المغربية التي ضحت مع أبنائها سنوات من أجل هذه اللحظة.
– كون الطلبة موحدون ومنظمون معطى إيجابي جدا لازال بالإمكان توظيفه من أجل خلق تراكم في تحقيق المطالب، من خلال الحفاظ على الوحدة والتبصر.
– توقيف أساتدة أو آباء الطلبة لن يحل المشاكل لأن المشاكل كما أوضحنا أعمق وأكبر بكثير من حركة احتجاجية.
– اجتياز الطلبة للامتحانات هو عين العقل حفاظا على مستقبل الطلبة أنفسهم، وعلى مسارهم الدراسي وحفاظا على مصالح وحقوق التلاميذ الذين ينتظرون دورهم لاجتياز الامتحانات وقبل هذا وداك حرصا عى مصالح البلاد والمواطنين الذين يعانون أصلا من قلة عدد الأطباء بالمغرب. خصوصا وأن النقط المتبقية رغم أهميتها فهي لا تعني لا هذه السنة ولا السنة المقبلة، دون أن يعني ذلك إهمالها أو استصغار الحوار المجتمعي حولها.
– التزام الوزارتين الوصيتين بتفعيل الإتفاقات، وفتح نقاش وحوار مستعجل مع كل المعنيين حول النقط المتبقية هو واجب لا بد منه، من أجل مستقبل سلس لا مطبات خطيرة تعترضه.
– انخراط الأساتدة في مسعى توفيقي وضامن لتكوين طبي في مستوى تطلعات المغاربة، بمزيد من التضحيات من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتدارك ما يمكن تداركه.

التعليقات على الدكتور الطيب حمضي يكتب عن “أزمة طلبة الطب” ويقترح حلولا للخروج من “عنق الزجاجة” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

أخنوش: نريد تحقيق العدالة المجالية عبر تطوير البنيات الأساسية التي أرساها الملك والصحوة الصناعية في المغرب تزعج البعض