حسني المخلص

أول يوم له بالمدرسة، كان يقفز من نافدة القسم ثم يعود من الباب، حتى ضبطه السي المفضل ليكون له شرف لقاء “التيو الأحمر” لأول مرة، غير أنها لم تكن الأخيرة فقد كان كل السادة المعلمين والسيدات المعلمات يستعينون بخدمات “التيو” شأنهم شأن سي المفضل.

بالإعدادي، التقى بأحمد الأعور، المدير الذي يشرف شخصيا على معاقبة المتأخرين بأربع ضربات من “الكروة السوداء”. لن ينسى أبدا ذاك اليوم المشؤوم حين أوهمه ذكاؤه أنه يمكن أن يحتال على الأعور. قفز من سور الإعدادية وجرى نحو الممر المؤدي إلى الأقسام. في الزاوية كان الأعور ينتظر. داق يومها ما لم يدقه لص ضُبط في سوق شعبي.

بعد الاعدادي انتقل إلى المدينة ليكمل دراسته الثانوية. أقام بالداخلية تحت إشراف السيد “الطّوبة”، هكذا يسمونه  كناية عن الرائحة التي تخرج من الجحر الذي ينام فيه. في ليلة ماطرة وبعد أن أطفأ “الطوبة” الأنوار على الساعة الثامنة كعادته، انتبه أن هناك من يخرق الاستقرار الذي يسهر عليه، حين ضبط صاحبنا تحت بطانيته يراجع لامتحان الغد على ضوء مصباح يدوي. تعامل “الطّوبة” معه بمنتهى الإنسانية، دون احتساب ليلة كاملة وقوفا في أنتن مرحاض بالداخلية.

تلك الأيام شكلت عنده أول إحساس بالحقد الطبقي، لذا ما إن دخل الجامعة حتى انضم إلى فصيل يساري، ليبدأ مسلسل عنف من نوع آخر. بالجامعة أكل كل أنواع “السلخات”، من عند “الأواكس”، من عند “السيمي”، وفي المواجهات التاريخية مع الإسلاميين. كانت سنوات حرب أكثر منها سنوات تحصيل علم.

أحيانا يتأمل تاريخه منذ أول يوم له بالمدرسة ليقول مع نفسه “ما بقا قد ما فات، سآخد الإجازة وستنتهي هذه الحكاية كلها”، وهكذا كان، نال إجازته، لكن الحكاية لم تنته، فقد التحق بجمعية المعطلين.

أخبره رفيق له باقتراب أول موعد نضالي له مع المعطلين، ساوره حدس عميق أن “التفرشيخ” سيكون من نصيبه لا محالة، لكنه لم يعر للأمر أدنى أهمية، فقط استأنست عظامه بالعصا، لتمر سنوات النضال في الجمعية كلها “هرماكة” أمام البرلمان.

أخيرأفرج عليه الله بقبوله بمركز تكوين الأساتذة ليريح ويستريح، لكن هيهات، فقد شن الأساتذة المتدربون حملة نضالية شرسة، من وقفات واعتصامات ومسيرات، ضد المرسومين المشؤومين لبنكيران.

ذات محطة نضالية كانت الزرواطة ترفرف فوق الرؤوس، نزلت واحدة على رأسه “القاصح” حتى انكسرت، نقلوه إثرها إلى المستعجلات. سمعوه يهدي بكلمات غريبة: الطوبة..احمد الاعور..سي المفضل..التيو الاحمر.. لا..التيو الاحمر لا.

التعليقات على الماضي الأليم لأستاذ متدرب مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…