مالا بديع

عودوني في البيت على مناداتي باسم قديم: “نعيمة “، مستحضرين في ذلك اسم نعيمة سميح التي طالما كنت أردد أغنيتها “ياك أجرحي”. ذات يوم كنت ألعب وأخي ومحسن “توفيتا”، نسي أخي و ناداني  نعيمة، استدرت لأعرف ردة فعل “توفيتا” بعد تعرفه على اسمي نعيمة. مزيج من التساؤل والخوف انتابتني. هل يكشف”توفيتا” أمري أمام أبناء الحي؟ وإذا ما فعل فهل سينبذونني ويرفضون اللعب مع نعيمة؟ فكرت أن أجمع قواي وأهجم على أخي، أشبعه ركلا ولكما.. لكن فكرت أن أهدأ لعل هدوئي ينسيه ما تلفظ به أخي أو يعتبره محض زلة لسان. كظمت غيضي وأنا أفكر: كيف  نسي أخي أن اسم نعيمة حدوده جدران البيت. كيف؟

صباح الأحد، خرجنا، كالعادة، للعب، بعد انتهاء برنامج “نادي المرح”. لأول مرة ألاحظ أن أولادا كبارا  يشاركوننا اللعب. نظراتهم المصوبة لي بشكل مريب جعلتي أخمن في سيناريوهات ما بعد “نعيمة”، خصوصا أنهم اختاروا أن نلعب غامالة. بدأنا اللعب ومن سوء حظي رمى ولد فتيحة علي “قرعة غمالة ” أعرف انه كان يقصد ذالك. أخد الجميع يصرخ: نعيمة.. نعيمة، وكأنها الفضيحة العظمى. كانوا يركضون ويحومون حولي كأنهم يردون إخباري: لقد كشفنا أنك “امرأة “. لم أجد امامي من حل سوى ذرف الدموع والصراخ بهستيريا: أنا لست نعيمة. هربت في اتجاه بيتنا وقضيت اليوم كله  أبكي. ومن يومها كرهت أخي كما أكره شارون.

صرت أستوعب أنني أستهوي الرجال، من اليوم الذي حملت الخبز إلى الفرن، فطلب مني جمال الفران أن أنزل لحفرة الفرن العميقة،  حيث يقف هو. كانت عيناه تحملقان يمينا ويسارا، وكأنه يتأكد أن الفرن فارغ  وأن زوجته نادية غير موجودة لينقضّ عليّ،  شكرته عن دعوته لي للأسفل وهرولت عائدا، متذكّرا وصية أمي التي تحثني على ألا صدق الرجال لأنهم “شلاهبية و عينيهم زايغين”.

كان هشام جارنا يدرس بالقسم السادس وأنا القسم بالرابع ابتدائي. كان  كلما رآني يزمّ شفتيه إلى الأمام  ويغمزني بعين. وعندما كنت ألعب مع بنات الحي أو مع أختيه مريم وأمال بصالون بيتهم، كان يطل من شرفة السطح منتظرا خروجي فيتبعني عند الذهاب للمدرسة.. أصبحت  أشعر أنني مراقبة من هشام. أنا ليس لي أخي الكبير وبالتالي لما يلاحقنني لما يراقبني؟ ذات مرة كنت عند بائع الزريعة أشتري الحلوى، فإذا بشفتين تحطان على عنقي من الخلف تصعقني كما صعقتني الكهرباء أول مرة، ألتفت لأجد هشام. تسمرت في مكاني محاولة افهم ما يحدث. نظرت في عينيه دون أن أقول شيئا، كأن دمي يريد أن يفور، أن يتكلم. سأهرب  والحلوى وثمانية ريال عند صاحب المحل.. أهرب إلى حيث لا يوجد شبحه، إلى جنان بوطراحة قريبا من الحي، هناك أكون سالمة من الرجال ومن أمي، أتصبب عرقا وألهث ككلبة ، لكنني أحتاج أن أصرخ وأسأل الورود: لما قبلني هشام وأنا لست زوجته؟  لماذا قبلني كقبلات الأفلام الأمريكية المترجمة؟

عرفت أن أمي كانت على حق عندما خافت علي وزوَّرتني الأضرحة واصطحبتني إلى الفقيه، لكنني كنت أفتقد إلى النية، ولذلك فشل مفعول كل ما فعلت من أجلي كي أكون رجلا. صرت ألوم نفسي: لما لم أتعلم المصارعة والكراطي وكرة القدم كي أكون قوية كالرجال، كي يشتد عضدي ولا أستهوي عيون الرجال اللئيمة؟  لماذا لم تنفع العقوبات، بل لماذا لم  تعذبني أمي أكثر لماذا لم تخبر آبي أنني “مريوة” كي يصطحبني معه حيث يذهب فأتعلم أصول الرجولة؟

لا أستطيع أن أحبر أحدا بما حدث لي، بما في ذلك أمي، لأنني متأكدة أنها كانت ستزيد من ألمي، فأنا لم أنسى لما سألتها يوما عن داء فقدان المناعة المكتسب “السيدا”، فأجابتني: “الله يستر من الممكن أن يكون بك” مضيفة: أنا أعلم أنك تقيم علاقات مع الرجال.. احذر أن يخرج الدود من طيزك”. كان هذا هو خوفي من أن أخبرها بشيء مما حدث، فهي تتهمني بشكل مسبق حتى إذا لم أقم بشيء فإنها كأنها تشككني بنفسي.

هكذا قررت أن أصبح رجلا. الطريق الأفضل إلى الرجولة هي طريق الله. أخبرت أمي بأني أريد أن أحفظ القرآن وأتعلم أوصول الدين. بعد أيام قليلة جلب لي أبي لوحا من خشب الصنوبر وأخذني لكُتّاب ”الإمام نافع”. بالباب لفحني صراخ الأطفال يقرؤون القرآن في حلقة يتوسطها الفقيه السي براهيم بقصبته الطويلة  ولحيته المقصصة. أشار له أبي من بعيد بيده، ثم تركني وغادر. نظرت حولي أكتشف المكان، وتقدمت قرب السي ابراهيم، قبلت يده فمسح على رأسي وطلب من أحدهم أن  يخبئ لوحتي. هل تحفظ شيئا من القرأن أم لا؟ سألني، نعم أحفظ حزبي “سبح” و”عَمَّ”، أجبته. سلمني لوحا قديما كتب عليه بداية سور “قل أوحي”. من الصعب علي أن أتواصل مع زملائي الجدد لأنهم كلهم يتكلمون الأمازيغية، أما العربية بالنسبة لهم فليست سوى أصوات عليهم حفظها دون فهمها، وهي مرتبطة بالقرآن لا أكثر. أعجبني المكان الجديد بدأت أتأقلم مع الوقت أحفظ القرآن والحديث وأتعلم أصول الدين بجلسات الشيخ زحل، فكان أول متن أحفظه يقول مطلعه:”يَقُـولُ رَاجِــي عَـفْـوِ رَبٍّ سَـامِـعِ مُحَـمَّـدُ بْـنُ الْـجَـزَرِيِّ الشَّافِـعِـي. الْحَـمْـدُ لـلَّـهِ وَصَـلَّـى الـلَّــهُ عَـلَــى نَـبِـيِّــهِ وَمُـصْـطَـفَـاهُ. مُـحَـمَّـدٍ وَآلِــهِ وَصَـحْـبِــهِ وَمُـقْـرِئِ الْـقُـرْآنِ مَــعْ مُـحِـبِّـهِ”.

 

 

التعليقات على عندما اكتشف أبناء الحيّ اسمي داخل البيت: “نعيمة” (سيرة متحول جنسي) مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…