ما زال الحبيب بورقيبة، صانع الاستقلال وباني الدولة التونسية الحديثة و”محرر المرأة”، الذي اعلن نفسه رئيسا مدى الحياة، يثير الجدال في تونس بعد 17 عاما على وفاته.
فبعد شهادات ادلى بها ضحايا نظامه، اواخر اذار/مارس، في اطار جلسات الاستماع العامة التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة، بدأ النقاش حول ما الإرث الذي تركه.
وتتولى هذه الهيئة التي انشئت بعد سقوط زين العابدين بن علي (1987-2011)، مهمة التحقيق في جرائم الماضي. واذا كان نظام بين علي يشغل مساحة كبيرة في التحقيق، فان فترة الدراسات التي تقوم بها الهيئة، ترقى الى 1955، قبل الاستقلال بسنة واحدة.
وأثارت شهادات أنصار بن يوسف الذين شككوا في الرواية الرسمية، غضب أنصار بورقيبة. وقد بلغ الهجوم المضاد لأنصار بورقيبة ذروته الخميس، في الذكرى السابعة عشرة لوفاة بورقيبة، بلسان الرئيس الباجي القائد السبسي (90 عاما) الذي كان مقربا منه.
ومن المنستير، مدينة الرئيس الأسبق، قال القائد السبسي “لا أفهم هذه الحملة” على بورقيبة، “ربما لا يفهم هؤلاء الناس التاريخ على الأرجح، لكنهم سيجدون أنفسهم في مزبلة التاريخ”.
وفي اليوم نفسه، أدلت إحدى بنات شقيق بورقيبة بتصريح لإذاعة المنستير دفاعا عنه. وقالت بحرقة “لقد بنى البلاد، وجعل من المرأة ما هي عليه اليوم، ويريدون الآن تشويه صورته”.
ففي الواقع، ارسى بورقيبة الذي توفي في السادس من ابريل 2000، بعد 13 عاما على “الانقلاب الطبي” الذي أطاحه، أسس الدولة التونسية الحديثة من مجانية التعليم الالزامي إلى الوضع المتقدم جدا للنساء.
لكنه أسس ايضا عبادة الشخصية، وأعلن نفسه رئيسا مدى الحياة، ولم يتساهل في قمع معارضيه، اليساريين والاسلاميين على حد سواء.
وأسقطت ثورة 2011 وانتشار حرية التعبير المصداقية عن حكم بن علي، لكن هذا ما لم يحصل مع بورقيبة. وبموجب عهد قطعه، عمد الباجي القائد السبسي، وبصورة رمزية العام الماضي، الى اعادة تمثال شهير للرئيس الاسبق، وهو يعتلي صهوة جواد، الى وسط العاصمة التونسية.
وعاد التمثال الذي نفاه بن علي الى الضاحية، يتربع على منصته قرب وزارة الداخلية في الساحة المسماة باسمه. وفي تصريح لاذاعة “شمس اف.ام”، قال صافي سعيد الذي وضع كتابا عن بورقيبة، “نحتاج اليوم الى زعيم، لكن هذا الزعيم غير موجود”. وأضاف ساخرا إن الرئيس الأسبق “سيغضب بالتأكيد” من ورثته، و”إذا ما خرج من قبره، فسيعاقبهم جميعا”.
وحيال هذا الجدال الأخير، ابدى اسلاميو حركة النهضة الذين ما زالوا يعملون على استيعاب تجربتهم الاولى في الحكم (2011-2013)، حرصا على ألا ينكأوا الجراح. وفي هذا الاطار، عمدت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين الى التركيز على معاقبة سياسة بورقيبة.
وأعرب عضو هيئة الحقيقة والكرامة، عبد الميزي عن “صدمته” للهجمات الشخصية على بن سدرين. وقال في تصريح لاذاعة موزاييك اف.أم “لم نقل اننا سنعيد كتابة التاريخ”.
ويؤكد مؤيدوهما ان هذا العمل الذي يتمحور حول الذاكرة ضروري من اجل فهم مستقبل بلد ما زال يبحث عن طريقه، بعد ستة اعوام على ثورته.
ويؤكد المؤرخ خالد عبيد وجود “تصدع في الذاكرة التونسية يتعين علينا تضميده”. لكنه ينتقد هيئة الحقيقة والكرامة، مؤكدا ان “مسيرتها عقائدية وليست علمية ابدا”.
وخلال الانتخابات الرئاسية في 2014، لفت مراقبون الانظار الى ان الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي، المنافس الذي خسر أمام القائد السبسي، فاز في المناطق التي كانت في السابق تناصر صالح بن يوسف في الجنوب. وهذا ما يؤكد كما يقولون ان هذا النزاع ما زال محوريا في القرن الحادي والعشرين.
لكن عبيد يعتبر ان هذه النظرة “سطحية” وبالتالي خطرة. وقال “يجب ألا نسيس تاريخنا المشترك” و”الطريقة الوحيدة الممكنة هي ان نضع جانبا المعلومات التي تمجد بورقيبة او تلك التي تحط من شأنه”.
(عن وكالة فرانس بريس)