عبد الله ويدري
كان لِحَدَثِ اعتقال مُغَني البُّوبْ المغربي سعد لمجرد، الذي سطع نجمه مؤخراً، وَقْعٌ كبير على الرأي العام المغربي والعربي. أسَالَ الموضوع الكثير من المِداد والمَواد الرقمية وأَطَّرَ كثيرا من النقاشات على فضاءات التواصل الاجتماعي. تعود وقائع الحادث إلى شهر أكتوبر من السنة الماضية حين كان المغني الشاب في باريس من أجل إحياء حفل موسيقي قبل أن ينتهي به المطاف ليلتين قبل الحفل في الكُومِيسَارية، والسبب تهمة اغتصاب من طرف فتاة فرنسية ادَّعَت انه حاول ممارسة الجنس عليها بطريقة عنيفة تحاكي رواية Fifty Shades of Grey.
بعد انتشار الخبر كالنار في الهشيم واسْتِرْزَاق العديد من قنوات التواصل الرقمية منه بوضع عناوين مثيرة تستدعي النقر المكثف، ظهرت على الساحة ظاهرة غريبة تتمثل في حالة من التضامن والتعاطف تشبه في شكلها حالة الخنوع والاستسلام التي يبديها العبيد في الأنظمة الاستبدادية تجاه المستبد. الغريب في هاته الحالة الشاذة ليس أساسا عدم استدعاء قَرِينَة البراءة في قضية المغني الكْيُوتْ ولكن شكلها المتوحش والهستيري واللاواعي بطريقة مَازُوخِيَة (masochique) لا تراعي موضوع النازلة وهو الاغتصاب و الذي تعاني منه النساء في العالم وشمال افريقيا خصوصا. فنجد مثلا فيديو لفتاتين من نوع خُورُوطُو تتكلمان بطريقة مبتذلة عن الواقعة و طالبن ”السلطات“ بإرسالهن لفرنسا لكي تُفَرْشِخَ إحداهن تلك الفتاة الضحية بدعوى ”أنها طيحات عليه الباطل وأن سعد ما يديرهاش“. والأَغْرَب أنَّهُ حتى بعض الفتيات ”الدَّايْخَات“ وضمنهن مُتَعَلِّمَات وذوات قدر من الثقافة الحقوقية هن كذلك وقفن دفاعا عن المتهم.
الحالة هنا، إذن، أَعْقَدْ من المَازُوخِيَّة في اعتقادي فهذا الشكل من الانصياع والخنوع يٌذَكِّر بشكل كبير حالة شعب كوريا الشمالية في علاقته بزعمائها. يتذكر الجميع تلك الصور من الهيستيريا والبكاء التي قابل بها نفس الشعب وفاة القائد المفدى والد الزعيم الحالي كيم جون إل. في هذا البلد الغامض يُعْتَبَر الإنسان نوعا من الإنسان الجديد حسب نظرية الاقتصادي الفرنسي Frédéric Lordon: يوتوبيا الاشتراكية الواقعية حول الإنسان الجديد. حيث استطاعت حكومته صناعة إنسان خاضع مائة في المائة للقائد. إنسان يبكي ويصرخ لمجرد رؤية القائد، رغم انه لم تثبت أن لديه أية كرامات أو بركات مما عرف عن أولياء المغرب ”الصالحين“. في المغرب، خضوع الإنسان له درجات مختلفة لأن تكوين الشخصية المغربية معقد فهي صعبة الحصر والاستيعاب. لكن واقعة اعتقال سعد لمجرد أشاحت اللثام عن شكل جديد من الخضوع، خضوع نحو المشاهير ومَطابَّاتِهم ونحو ما يمثلون من فن. ماذا يجمع بنت الرباط البرجوازية وخوروط بنت التقدم في دفاعهما عن متهم بالاغتصاب؟ و خروجهما جنبا لجنب في وقفة تضامن؟ كيف خلق هذا المغني الشاب (وأمثاله) جمهورا ينجذب بخنوع نحو شخصه؟
للبحث في ملابسات هاته الحالة المرضية يستوجب الأمر الرجوع للمغني وطرح الأسئلة حول شخصيته وإنتاجاته الموسيقية. المغني يتسم بوسامة وملامح بريئة تجعله بعيدا عن إن يتهم بجريمة شنعاء كالتي هو بصددها لكن المعرفة الأولية بنظرية التطور وما عرف من تاريخ الإنسانية يمكننا التأكيد أن مسألة الاغتصاب والافتراس مسألة بيولوجية تطورت فالإنسان بحكم تطوره من الحالة الحيوانية لمرحلة الإنسان شبه العاقل. فأي رجل في علاقته بالمرأة تمر برأسه أفكار الاغتصاب والانقضاض عليها في لحظات من حياته وفي مواقف محددة. الفارق هو التربية لتجاوز هاته الأفكار الحيوانية والارتقاء لمرحلة الإنسان العاقل. فهل سعد لمجرد والذي هو منتوج خالص للمجتمع المغربي ”مَا مْرْبِّيشْ“ لدرجة أن هذه الأفكار تضخمت لديه؟ ومنذ متى وهو يمارس هاته الأفكار في الطبيعة؟ تسارع الأخبار حول نزواته الجنسية العنيفة بعد الاعتقال يجعل هاته الأسئلة مشروعة. ماذا عن الضحايا في المغرب اللواتي غالبا لَزِمْنَ الصمت في مثل هاته القضايا لأن القانون والساهرين عليه لا يُقَدِّمُونَ أَيَّة حِمَايَة؟
لا شك أن ما أنتجه سعد لمجرد حتى ساعة اعتقاله من أعمال فنية لها دخل مباشر في حالة الهيستيريا التي لم يشهدها المجتمع المغربي منذ أيام الغيوان. هنا تحضر في ذهني تلك النتائج التي توصل إليها سنوات السبعينات من القرن الماضي فريق بحثي إسباني مكون من إحصائيين وباحثين في الرياضيات. الباحثون قاموا بوضع مُحَدِّدَاتْ رياضية لمجموعة من الأغاني واستطاعوا تطوير نموذج توقعي يسمح بتوقع شعبية الأغاني من عدمها. وبذلك استطاعوا توقع نجاح أغنية مَا قبل عرضها على السوق. هذا النموذج الرياضي أبان عن محدوديته مع الوقت. حتى أنه توقع نجاحا باهرا لأغنية !Hey Ya الشهيرة في حين أنها عرفت فشلا ذريعا عند إذاعتها أوَّلَ الأمر ولم تعجب الجمهور الأمريكي. لكن مدير إحدى المحطات الإذاعية يدعى Meyer Rich طَوَّرَ هُوَ و زوجته سنة 1985 خدمة لتتبع و دراسة الأغاني لمعرفة ميولات المستمعين. هاته الخدمة زودت الكثير من المحطات بنتائجه البحثية مما ساعد هاته المحطات على زيادة عدد المستمعين. لكن أهم اكتشاف لـMeyer كان السبب الذي يجعل أي أغنية تصبح مشهورة ومحبوبة لدى الجمهور. السبب هو Familiarity أي الألفة. هاته الخاصية نجدها عند الغيوان وعند سعد لمجرد. الألفة تتجلى في أن الأغنية لديها ريتم يحاكي الأصوات التي يتعرض لها الإنسان في يومه وكلماتها ليست معقدة وتحاكي الأحاديث اليومية. الغيوان، على مستوى الآلات الإيقاعية، مثلا، استعملوا”الطَّامْطَامْ والبَنْدِيرْ“ فصوتيهما مالوفين للأذن المغرية، آنئذ، كما ان كلمات أغانيهما تنهل من الأحاديث اليومية ”الله يا مولانا“ ”فين غادي بيا أخويا“ ”غير خودوني“. نفس الشيء نجده في أغاني سعد لمجرد ريتم شعبي خفيف ومألوف وكلمات من القاموس اليومي ”أنت معلم“ ”أنا ماشي ساهل“. طبعا لا مجال للمقارنة من ناحية الرسالة الثقافية بين الغيوان وسعد لمجرد. لكن من الناحية العلمية الفنية هناك أوجه تشابه كما بيّنا. هنا يظهر جليا أن سعد لمجرد وفريق عمله كانوا يقومون بعمل جدي في مجال التسويق الفني وصل بشخصه للشهرة وأعطاه مجموعة من “العبيد” الخاضعين للدفاع عنه في مطاباته ونزواته.
سعد لمجرد لن يكون أول أو آخر شخص من الوسط الفني يتابع في قضايا أخلاقية. فالأخبار حول هاته الفئة تتناسل. يتذكر الجميع قضية أمير الرَّاي مامي وسنوات سجنه. وأكيد أن الجميع تابع قضية التحرش بقاصر لعازف الترومبيت إبراهيم معلوف نسفت الاحترام الذي كان يحظى به في العالم. ما حدث يسائل الأخلاق المفروض أن يتحلى بها من يمثلون الفن والثقافة.
وبعيداً عن مَواويل التَّحَسُّر على مُستقبلٍ فني تم تضييعه يجب مسائلة الحاجة إلى فنَّانين بدون ثقافة ولا ”تْرَابِي“ يُكَدِّسُون القُطْعَان من العبيد المُغَيَّبِين.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…