أوفيليا لم تمت
في مسرحية ” أوفيليا لم تمت” لا يكتفي المؤلف نبيل لحلو باستعارة بطليْ شيكسبير : هاملت و ماكبث، ولكنه يضفي عليهما صبغته الشخصية حتى يصبحان وكأنهما من إبداعه هو أصلا.
نص المسرحية هنا يشبه مجموعة من الدمى الروسية التي تختفي الصغيرة منها في جوف الكبيرة.
إنه نص يتقمص شكل هاوية سحيقة.
وهو نص مشفر يحتاج لفكّ ألغازه تلميحات وغمزات تشير إلى سبيل يؤدي بنا إلى اكتشاف ذواتنا.
هنا هاملت يتحول إلى ماكبث والعكس صحيح.
إنهما القوتان المعبرتان عن نفس العملة.
أما يانوس، فإنه يجسِّد دورنا نحن الحضور، إن قصة “أوفيليا لم تم” ليست إلا مرآتنا المنكسرة.
نعم ، إنها تقذف في وجهنا ما نريد إخفاءه ، ما نريد تغطيته، وما نريد أن ننساه إلى الأبد وما نريد أن ندفنه في الأعماق.
إنها مرآة تبرز لنا الجُبن والخشية والتافهات التي نغرق فيها كما تبرز صمتنا المتواطئ مع الجرائم، وكل ما يقوِّي الظالمين مِن بيننا.
قديما قال الكاتب لا بويسي : “إن الطغاة لا يبدون لنا كبارا إلا عندما نكون راكعين”.
في هذا الغوص في أعماقنا، الذي يبدو كالغوص في جنبات الجحيم، تصبح كل كلمة كالمِشرط في يد الجراح.
فلا يفلت منها الوعي ولا اللاوعي ولا ما وراء الوعي.
نعم، نحن أمام عملية تعرية بدون حياء ولا خجل.
لأننا إزاء نص يصطدم فيه الحاضر والماضي والمستقبل.
نص غريب متجذر في حياتنا اليومية، ومهيمن على كل الآفاق.
إنه نص فيه الكلمات تنجب الرموز.
كأنما الكلمات تجامع بعضها بعضا بلا خجل.
وعندما تنتهي تتحول إلى أصوات تحاكي المعاني ولكن دون أن تنسى وجهتها في نهاية المطاف.
هنا يختلي النص العربي الفصيح ببعض مفردات اللهجات فتتهشم الطابوهات إلى شظايا وتختفي الثوابت اليقينية.
إنه نص يحرر الذات لأنه يدمر تلك الثوابت.
المؤلف يروي قصة ويروي قصته وقصتنا جميعا.
إلى أن نصبح بفضل بلاغته كلنا ماكبث وهاملت وأوفيليا وقبس من المؤلف أيضا.
إنه نص تتخلله إشارات إلى زخرفات لا تستحيي وحقائق لا نكاد نتحملها
إنه وشم للذاكرة.
بل هي عملية صلب للذاكرة.
وأخيرا، إنها أضغاث كوابيس دموية.
أوهي جولة في مدينة بيضاء جدرانها ملطخة بدم أسود.
من بقايا إعدام لرجل متمرد في ساحة باريسية.
هناك شيء ما فاسد في المملكة