الدول المحترمة هي تلك التي لها ثوابت ومحددات في سياستها الداخلية والخارجية، وهي كذلك التي تحسن قراءة المتغيرات وتُسكبُها وثوابتَها ومصالحَها.. والمغرب من هؤلاء الدول، وله ثوابت قارة في سياسته العربية، ومنها النأي عن الخلافات الثنائية أو الزج في الشؤون الداخلية، مع واجب النصرة إن تعرض بلد لعدوان. سالت دماء جنودنا الأشاوس في سيناء والجولان، ورابطوا في الظهران لحماية المملكة العربية السعودية، وأبَوا أن يكونوا جزء من التحالف الدولي في عاصفة الصحراء أثناء حرب الخليج لسنة 1991، ولم يتردد المغرب لحظة في شجب اجتياح الكويت من قبل العراق، بل كان أول بلد يقوم بذلك في مجلس وزاري مشهود..
ما يقع في سوريا ينبغي أن يسائلنا. هناك مسلمات ومنها الطبيعة الدموية للنظام ونزعته الطائفية. ولكن ما تعيشه سوريا من دمار وساحة تضاربات إقليمية وتهجير وتفكيك لنسيج الشعب.. يحتم علينا إعادة قراءة الوضع. أولى الأولويات، هو الحفاظ على سدى البلد ومقوماته. أما النظام، فشأن السوريين، يقررون بشأنه وفق ما رفعه الشعب السوري من شعارات حين خرج قبل خمس سنوات بدَرعا: “سلمية” و”بدي حرية”.. والحوار في ظروف سلمية للحوار..
سوريا أضحت ساحة للصراع الإقليمي بين تركيا وإيران، وتلبّس هذا الصراع بلبوس مذهبي، هو صراع بين السنة والشيعة، وهي ساحة لتَقاطب الكبار، ومؤشر على عودة الحرب الباردة، بل فتيل قد يُشعل حربا عالمية، هذا فضلا عن أنها صارت وكراً للمارقين من الإرهابيين الذين يهددون الأمن والاستقرار في العالم..
كل هذه الاعتبارات تحتم علينا النأي عن هذه الصراعات، أولا لأنها منافية لثوابتنا، وثانيا لأنها متضاربة ومصالحَنا.. فطبيعة المذهب المالكي، الذي جعل منه المرحوم علال الفاسي قوام الشخصية المغربية، ليست محض فقهية، إذ أننا نمزج بين ما ذهب إليه أصحاب السنة والجماعة، وبين صحبة آل البيت، أو بتعبير آخر، نحن سنة، نقر بما تواتر من أهل السنة والجماعة ولا نكفر أحدا من الصحابة، ونحن كذلك شيعة أي أنصار آل البيت ومحبي ذويه، ويشهد على ذلك رسوخ المنتسبين إلى آل البيت حتى من الأمازيغ..
ثم إن الحرب الباردة حقيقة، وروسيا عازمة على أن تجعل من سوريا ساحة عودتها إلى الساحة الدولية. ونحن، حتى في عز الحرب الباردة حافظنا على علاقات متميزة اقتصاديا وسياسيا مع الاتحاد السوفياتي، واحترمت روسيا، وقبلها الاتحاد السوفياتي، ثوابتنا ومؤسساتنا ومصالحنا الإستراتيجية.. فيشهد التاريخ أننا لم نكن قط إيالة تابعة للعثمانيين، واستطاع أجدادنا أن يحفظوا خصوصيتنا من تحرشات العثمانيين بحنكة وذكاء ودهاء، دون أن يتنكبوا عن نداء النصرة حين يتعرضون لاعتداء..
الأمم العريقة هي التي تظل وفية لتاريخها، وهي التي تحسن قراءة المستجدات، باسم مصالحها، وباسم سفرائنا فوق العادة الذين يرقدون الرقاد الأبدي في حضن الجولان، جنودنا البواسل الذين سالت دماؤهم هناك، هم فخرنا وآصرتنا مع ما يفرض علينا ذلك من مسؤولية كي نكون جزء من الحل لا جزء من المشكل.