1-الجماني ديوان النكتة المغربية

منذ أن استقبله الراحل الحسن الثاني يوم 3 نونبر 1975، حيث تقدم للسلام عليه ومبايعته على التقاليد المرعية لدار المخزن،  فأهداه بالمناسبة الملك الراحل على طريقة الأولياء أصحاب الكرامات سلهامه المميز.. منذ هذا المشهد الذي كرره التلفزيون بالأسود والأبيض، لمرات، انطلق المغاربة في إبداع نُكت تتمحور حول  شخصية خطري ولد سعيد ألجماني. وكانت أول نكتة هي إعادة قراءة البيعة والسلهام- الهدية. تحكي النكته أن الجماني  حين اقترب من الحسن الثاني همس له إن كان بإمكانه مساعدته  في كساء أبنائه: “شي دريبلات للدراري”.

إلا أن خلفية المشهد السياسي والتي لم يكن يعرفها عموم المغاربة، هي أن الرجل موضوع النكتة كان داهية الصحراء، ووريث  قيادتها، و أنه عمل ضد جيش التحرير هناك، وفاوض الفرنسيين والجزائريين أيضا، كما انخرط في الحياة السياسية الاسبانية  كبرلماني في الكورطيس ونسق مع جبهة البوليساريو بعد حل “الجماعة الصحراوية”.. وأنه ، قبل مشهد الحسن الثاني و”السلهام” بقليل، كان في قبو السفارة الجزائرية بمدريد متشبثا باستقلالية المصير الصحراوي: وأنه، في المحصلة، لم يكن لا مع الجزائريين ولا مع الاسبان  ولا مع المغاربة… وفجأة استقبل من طرف الحسن الثاني  الذي دثره بسلهام دار المخزن، ليفاجئ الجميع، كما سجل الملاحظون، بمن فيهم أقرب المقربين إليه، ولينفجر بعدها شلال النكت، من “دريبلات للدرا ري”  إلى” ما انأ سوى هيشة خرجت من البحر”، وهي النكتة التي تحكي أن الجماني كان ذات يوم يأخذ حمام شمس بأحد الشواطئ الصحراوية، فإذا بجنود يباغتونه شاهرين أسلحتهم وهم يسألونه: “مع من أنت؟”، حاول الجماني أن يحدس إن كانوا من الموالين للمغرب أم للبوليساريو، حتى يجيبهم بما يرضيهم، فيعرضوا عنه، لم يتمكن من ذلك، فخاف أن يجازف بأي جواب يكون ضده، ، ولذلك أجابهم: “أنا غي هيشة خرجَت من البحر”.

لقد  شكل المسار السياسي لهذا الداهية مادة ألهمت الخيال الفكاهي للمغاربة، فيما ظل السؤال أكبر من هذه المقالة وهو: لماذا اختار المغاربة رجلا فضل المغرب لرسوِّ السفينة الصحراوية، أن يصير بطلا لإضحاكهم؟ وهل كانت كل تلك النكت التي تندّر بها المغاربة اختراعا إراديا خرج من المعامل السرية، أم منتوج  فطري  من “الفطريات”؟

2- بنكيران.. وان مان شو (one-man-show)

عندما عُيّن عبد الاله  بنكيران رئيسا للحكومة بمواصفات دستور  2011، بعد هزات الربيع العربي وتململ الشارع المغربي في صيغة حركة 20 فبراير، خرج يصرح بأنه حكى للملك  محمد السادس “نكتة حامضة”.

لقد استبق الرجل بدهائه، أن يكون موضوع إضحاك، خصوصا وأنه عالج ارتباكه أمام تقاليد البروتوكول بكثير من الدهاء وبروح مرحة انطلاقا من ربطة العنق إلى امتناعه تماما عن التفوه بلازمة “واش فهمتني  ولا لا ” والتي كادت أن تجعل منه  بطلا لسلسلات  من  السكيتشات الهزلية خصوصا على قناة نسمة التونسية…

لقد استبق بنكيران كل ذلك بإطلاق الكثير من الأسامي والنعوت على خصومه متجاوزا بذلك تجاوز الارتباك والتناقض بافتعال المواقف الساخرة مهما كان سياق الحدث.

لقد نجح  بنكيران لحد الآن في أن يغير نظرة المغاربة إلى شخص أتى من حركات الإسلام السياسي، لاعبا على حبل المتناقضات كان يدافع على العربية، فيما هو يتحدث دارجة الشارع بقوالبها الماكرة في البرلمان وفي المجلس الحكومي وفي إطاره الحزبي وفي التجمعات الخطابية.

نجح في ذلك وهو يتحدث عن الفقراء والأرامل والمعوزين فيما هو  ينزل سياسات تقشفية مجحفة المتضرر الكبير منها هم هؤلاء   الفئات التي يدافع عنها. ونجح في ذلك وهو يحمل برنامج إسقاط  الفساد فيما هو يعمل بمقولة “عفى الله عما سلف”.

إن خلفية الرجل المذهبية في كثير من أوجهها هي خلفية مكشرة  وعبوسة ومنقسمة على لائحتي الحلال والحرام، و مع ذلك استطاع أن يصبح  وان مان شو (one-man-show) ببديهة قوية وقدرة على الارتجال لا حد لها وهو يقلي السم لخصومه الظاهرين والمستترين .

عبد الإله بنكيران، ومنذ تعيينه أدرك بحسه القيادي أنه لن يتكيف مع دوره الجديد إلا باستعمال سلاطة لسانه وخياله الضاحك.

بعيدا عن الواقعي وقريبا من هذا الخيال، يمكن تخيل لقاء يجمع الراحل خطري ولد سعيد الجميني وبنكيران في جلسة مكاشفة وحديث من القلب إلى القلب عن حياة النخب السياسية للمغرب وتبادل التجارب في إضحاك المغاربة سنينا طويلة.

 

 

التعليقات على الجماني وبنكيران مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

بايتاس معلقا على ندوة “البيجيدي”: لا يمكن مناقشة حصيلة حكومية لم تقدم بعد

اعتبر مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق ا…