عبد العزيز سلامي*
ـ “يولد الناس أحرارا و من ثم و هُم في القيود” جون جاك روسو، العَقد الاجتماعي.
ـ “الغاية الوحيدة من الدولة، هي حماية حرية التعبير” باروخ اسبينوزا، بحث في اللاهوت و السياسة، ترجمة الدكتور حسن حنفي عن اللاتينية.
ـ “الدولة غاية في ذاتها” هيجل.
ـ “الحرية عملية تحرير مستمرة، في ظل وجود الدولة” عبد الله العروي، مفهوم الحرية.
وجدتُ من اللازم التذكير بأجمل نسائم الحرية، التي خطتها أقلام الفلاسفة : جون جاك روسو في أواخر القرن السابع عشر، في كتابه العقد الاجتماعي، و الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، و الفيلسوف الألماني في القرن الثامن عشر هيجل. و بعدهم المفكر المغربي عبد الله العروي. دواعي استحضار هؤلاء الفلاسفة، أنهم نبهوا على أمر الإنسان الذي يولد حرا بالطبيعة، و من ثم يبدأ صراعه مع القيود التي تُفرض عليه، مانعة بذلك أول حقوقه، و هو الحق في الحرية، و لو أن الحرية، تبدو هنا، مُبهمة، لكنها لا محال مرتبطة بمصير الإنسان في العالم، و المحكوم بقوانين وضعية ليست بالضرورة نتاج تعاقده مع الحاكم، بل يجد نفسه داخلها، محاطا بواجباتـ تتجاوز إمكاناته الإنسانية، و لا تُترجم جميع ما يصبو إليه في هذا العالم.
سؤالنا إذن، هو وجود الحرية من عدمها في المجتمع المغربي ؟
1 ـ
جون جاك روسو في إطار مقاربته لسؤال الحرية، قبل قيام الثورة الفرنسية 1779، كان قد أسس لأول تَمثُلreprésentation تعاقدي بوجود (الدولة)، اعتبارا منه أن أي تعاقد اجتماعي كيفما كان، يجب أن يضمن الحقوق الطبيعية للإنسان و أولها الحرية. الحل الذي قدمه الفيلسوفـ تمثل في عَقد تعاقد اجتماعي مع الحاكم، يلتزم بموجبه الطرفان : الشعب و الدولة الحامية، و يُلزمان به. و بالتالي، تصير شرعية الحكم مستمدة مباشرة من الشعب، و خاضعة كلية، لقوانين التعاقد.
يتعلق الأمر إذن، بحماية هذه الحرية الطبيعية للإنسان، بواسطة التعاقد.
2 ـ
ربط المفكر المغربي، مفهوم الحرية، في كتابه مفهوم الحرية، بالشروط المجتمعية التي تدعو للحرية أو تنفيها، إذ تنقص أو تزيد، بمدى تمثل هذه الدولة للحرية. لم يعرف العرب، بحسب عبد الله العروي، مفهوم الحرية، و كما جاء في لسان العرب،(( الحرية من حرية الأصل و ليس من حرية العتق))،(( الحر هو حر من حرية الأصل و ليس بعملية تحرير))، هذا يدل على أن تمثلنا للحرية تُراثي، لم ُيؤَسَس على التمثلات الحديثة لمفهوم الحرية. الحرية وفق هذا المنطق الحديث و المعاصر، هي عملية تحرير مستمرة، و للدولة دور أساسي في حماية هذه الحرية للناس جميعا، على اعتبار أن الحر، هو حُر بفعل جهاز قانوني يحمي حرية الجميع. و أن قيمة الدولة و مشروعيتها لا تكتسبهما، إلا بتمتيع الناس بالحرية ، و خاصة (حرية التعبير بشكل مطلق) بحسب اسبينوزا، التي هي أصل إمكانية وجود دولة من عدمها، إذ بحرية التعبير، يكون للمجتمع أو الشعب، الحق في تصويب الدولة، و معارضة كل ما يمكن أن يشلها، أو يعدمها. الحرية إذن، مسئولية، و ليست فوضى، أو جهاز يقطر بعض الحريات و يمنع أخرى. فأن تدعي انتماءك لدولة، فهذا يُلزمك بأن تقبل الطرف المخالف لرأيك و مشروعك الاجتماعي. لهذا فإن مشروعية الدولة و استمرارها، مستمدان مباشرة من مدى قدرتها على حماية حرية المعارضة، و خلق خلايا للتواصل، لأنه في نهاية المطاف النقد و التناقض و المعارضة أي الديالكتيك الذي يعتمل في المجتمع، كل ذلك يصب في تمثل ديمقراطي للدولة.
3ـ
الدولة غاية في ذاتها، بحسب (هيجل)، و تأخذ بعين الاعتبار الحرية الذاتية للشخص و حرية التعبير، لكن ما يضمن تحقق ذلك، هو (جهاز الدولة) نفسه، لأنه بانعدام الدولة تصير الحرية في خطر، لهذا ما يضمن وجود الدولة و استمرارها هي المؤسسات المنتخبة من طرف المجتمع، إذ بسقوط الحاكم، لا يعني ذلك سقوط الدولة، و خير مثال على ذلك ما حدث في ( ليبيا سنة 2011)، إذ كانت الدولة قائمة كلية على إرادة شخص بعينه، متحكم في مصير الشعب كلية، و بسقوطه، انتشرت فوضى عارمة، معبرة بذلك عن شلل لجهاز الدولة و انهيارها مرة واحدة. لأن السلطة لم تكن موزعة ديمقراطيا بين جميع المؤسسات التي تسمح للدولة بالاستمرار، بل كانت المؤسسات لا تحتكم للقانون بل للشخص. لهذا الدولة، هي الحامي الأول و الأخير لمشروع مجتمعي يتقدم إلى الأمام.
إن غايتنا و مآلنا في المجتمع هو (الدولة)و بحمايتها، نحمي الحق و الحرية في الحق، و نبدل الواجب الجائر بواجب يسير في اتجاه الحق، و بمؤسساتها نكون، و بدونها لا نكون.
حينما ننظر في طبيعة المجتمع المغربي، و علاقته بالحرية، نجد أن هذه الحرية لا زال متحكم فيها من جهات، نلخصها في سلطة الديني على القرارات الشخصية للأفراد، و الذي يشرع لوجود السلطة في نفس الآن، لهذا هي غير مكتملة. لهذا الأمر لا يمكن فصل الحرية بما هي تحرير مستمر، عن المجتمع الذي تتكون داخله.
المغربي، تاريخيا، خول السلطة للحاكم، و عدم قدرته على العيش بدون سلطة مركزية، جعله يعيش قرونا من الضنك و الفقر و الفاقة، و اعتبرت حرية التعبير بمثابة (سيبة)، لكنه على الرغم من ذلك ظل دائما مرتبطا بجهاز للسلطة متمثلا في جهاز الدولة. إن الرهان على الدولة، لا يعني ذلك الخنوع و الاستسلام للأمر الواقع، بل التمسك بأول شرط من شروط الانتقال إلى حال أفضل للدولة. و ربما قد آن الأوان، أن يرقى وعي الطبقة العالمة بأمور الدولة، إلى مستوى التواصل الحر و المسئول. و أن ننظر جميعا فيما لدينا و ما ليس لنا.
إن الحرية، هي أصل الصراع، هي أن تكون حرا في اختيار النظام السياسي الأمثل لوجودك في المجتمع و في العالم. إن فكرة الوصاية على الدين، باعتباره مدخلا لضبط الحرية، يعد أمرا لا يخدم المرحلة و العصر الذي ننتمي إليه. إذ لم يكن الدين أبدا في أية شريعة من شرائع الدول،يُؤسس للحق، فالحق شيء وضعي نتفق حوله جميعا، و لأجله تتكاثف القوى لحمايته، بالتواصل و التشاور و السلمية.
إن الحرية هي أول شرط من شروط إثبات الذات في العالم، و أول مبادئ الديمقراطية في صورتها المعاصرة. بدونها نعكف على التراث، و ننتظر قرونا أخرى لأجل التحرر الاجتماعي، أي لأجل التقدم إلى الأمام.
إن التشريع لدولة التعاقد خارج سلطة الديني، سيجعلها في حماية من جميع ما قد يتدخل من عَل، ليُحَرم أو يُكفر سلوكا بشريا، يسعى لأن يُقنن حقا من حقوق الناس العالمية. إن مقاربة المغاربة لمفهوم الحرية، يندرج ضمن هذا التصور الذي قدمه عبد الله العروي، في كتابه مفهوم الحرية، إنه تصور إنسان أدرك وجوده في هذا العالم، و خرج إليه كي يعود كما هو في العالم،مُتحررا من قيوده الدينية الماضية، و قيوده الاجتماعية، التي تمنعه من يكون هو نفسه باعتباره قيمة في ذاته، خارج كل تمثل ديني أو اجتماعي، يَخنق الهويات كي تظل أحجارا مُتكلسة، لا تنبت نباتا جديدا يُطمئن على المستقبل.
*باحث في الفلسفة و علم الاجتماع و علم النفس.
الرباط.. تقديم كتاب “على مقياس ريشتر: ما لم يرو في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز”
تم اليوم الخميس بالرباط، تقديم كتاب “على مقياس ريشتر: ما لم يرو في تغطية الصحفيين لز…