قدمت الأسبوع المنصرم حركة أنفاس الديمقراطية و أطاك المغرب تقريرا يتضمن حصيلة الحكومة الحالية باختيارهما مجموعة من المؤشرات المعبرة في الميادين السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و البيئية. فتبادرت إلى ذهني فكرة أساسية : ماذا لو قدمت الهيأتين في حصيلتهما موجزا عن حصيلة “وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية”؟
تتكلف هاته الوزارة بوظيفتين : إدارة الأوقاف و تدبير الشؤون الروحية للمسلمين, و يسيرها وزير (السيد التوفيق) ينتمي إلى حكومة السيد بنكيران و هو رئيس حزب منتخب قد قدم تصريحا حكوميا يلتزم فيه بأهداف متعلقة بكل القطاعات و سيقدم حصيلته أمام برلمان منتخب.
هكذا قد التزم رئيس الحكومة في التصريح الحكومي بما يلي : “ترتكز هذه السياسة على تعزيز الهوية المغربية التي تتميز بتوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها, باعتبار إمارة المؤمنين المؤسسة الضامنة لحفظ هذه الهوية … كما تسعى هذه السياسة إلى الاستمرار في دعم الخطاب الديني المعتدل … و مضاعفة الاهتمام بوضعية العاملين في الحقل الديني بما يناسب مكانتهم في المجتمع و يمكنهم من أداء مهامهم الدينية و التربوية, علما أن أمير المؤمنين … هو الراعي لشؤونهم و الكافل لقضاياهم و الضامن لحقوقهم و ملاذهم في ما يهمهم ماديا و معنويا …”
علاقة بما سبق, نستحضر ما أقره الدستور المغربي:
- إقرار الدستور في فصله 41 أن الملك “يمارس الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين و المخولة له حصريا بمقتضى هذا الفصل بواسطة ظهائر“.
- فصل الفصل 41 بخصوص اختصاصات الملك الدينية الحصرية المتعلقة بمؤسسة “إمارة المؤمنين” عن اختصاصاته المدنية المساقة في الفصل 42 الذي يبرز أنه توقع الظهائر بالعطف من طرف رئيس الحكومة ما عدا تلك المنصوص عليها في الفصل 41 (و اخرى في نص الفصل 42).
كما يورد الموقع الرسمي لوزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية ما يلي بخصوص تعيين الوزير : “عَيَّنَ أميرُ المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، السيد أحمد التوفيق وزيرا للأوقاف والشؤون الإسلامية في 3 يناير 2012” و يضيف نفس الموقع بخصوص هيكلة الوزارة “وفي منتصف سنة 2012 أذن مولانا أعزه الله لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بإصدار قرار رقم 2331.12 بتاريخ 21 من رجب 1433 موافق 12 يونيو2012 والمتعلق بإعادة هيكلة مديرية الشؤون الإسلامية“.
بناءا على ما سبق, يتبين جليا التضارب المؤسساتي الحاصل بخصوص وزارة “الأوقاف و الشؤون الإسلامية” :
- ينص الدستور على حصرية اختصاصات إمارة المؤمنين لدى الملك, “حامي حمى الملة و الدين و الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”.
- تصر وزارة “الأوقاف و الشؤون الإسلامية” في وثائقها الرسمية على تعيين الوزير من طرف الملك ارتباطا بإمارة المؤمنين بدون إشارة إلى كونها وزارة داخل الحكومة ترتهن إلى قرارات رئيسها.
- كما تصر الوزارة على تلقيها الأوامر (الموافقة على هيكلة مديرية الشؤون الإسلامية) من الملك بصفته أمير المؤمنين بخصوص تدبير و إدارة “الشؤون الإسلامية”.
- يلتزم رئيس الحكومة في تصريحه أمام البرلمان بمناسبة تنصيب حكومته بتعهدات ترتبط بالسياسة الدينية و الشؤون الإسلامية مع الدور المركزي لمؤسسة إمارة المؤمنين في هذا الصدد.
من تمة, نستنتج استحالة تقديم حصيلة حكومية بخصوص سياساتها المرتبطة بتدبير ما يسمى “الشؤون الإسلامية” لكونها أولا من اختصاصات الملك بوصفه أمير المؤمنين, و ثانيا لأن الدستور في فصله 3 و 41 يقر بأن الدولة (و الملك) “تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية” و ليس فقط الشؤون الإسلامية (و إن كان الإسلام دين الدولة) و ثالثا (حتى و إن أردنا ذلك) لصعوبة إيجاد مؤشرات موضوعية لتقييم العمل (هل سنحاسب الوزارة على تنمية أو تقليل إيمان المغاربة المسلمين؟).
بناءا على ماسبق, نقترح فصل وزارة الأوقاف (إدارة مدنية لممتلكات جماعية لمغاربة يمكن تقييم حصيلتها بناءا على معطيات موضوعية : سومة كراء المحلات – كلفة الموطفين نسبة إلى المداخيل – …) عن إدارة “الشؤون الإسلامية”. هاته الأخيرة فصل الدستور صراحة في ارتباطها بإمارة المؤمنين, و نقترح أن تعمل تحت مجلس علمي للديانات يشتغل تحت إمارة المؤمنين و يجسد القاعدة الدستورية الضامن لحق ممارسة الجميع لشعائره الدينية بكل حرية.
إنها بداية العلمانية التي ننادي بها، بالاستدلال العقلي و المنطقي إسوة بما قام به فضلاء في التاريخ القريب, ابن رشد كمثال.