عبد العزيز سلامي

التوتر الذي تعيشه السياسة في المغرب، منبعه العلاقة العمودية بين المَخزن و المجتمع، من فوق إلى تحت، من دون وساطة مباشرة، غير وساطة الانتخابات، أي البرلمان. المخزن هو القصر، و المجتمع هو المصوت و المرشح، إذن ليس هناك طرف ثالث خارج هذه العلاقة المتوترة، التي لم تؤد إلى حدود اليوم إلى أي حل جدري، يجعل العلاقة تأخذ شكلا معاصرا لعلاقة السلطة بالمجتمع. من هو إذن هذا الطرف الثالث الغائب، الذي يجب أن نحتكم إليه في مشهدنا السياسي ؟
في الأدبيات المعاصرة للحكومات، لم يعد هناك فرق بين السلطة و من تُمارس عليهم السلطة، في أي بلد ديمقراطي في العالم. فللمصوت رأي بموجبه يحكم من في السلطة. و مسألة الإيديولوجيا، لم تعد هي كذلك مطروحة، فالأحزاب لا تحكم باسم إيديولوجيات و لكن بموجب مشاريع تُنفذ، لأن التصويت الديمقراطي، أي الأغلبي، لا يعرف الاستثناء. لكن ما حدث في المغرب، من منظور التجربة الأولى لحكومة حزب العدالة و التنمية، الذي باشر عمله، فور التصويت عليه بأقلية عددية، لم ينجح في ترجمة مطالب هذه الأقلية، مما يفسر أن التصويت الذي خضع لنسبة عدديا صغيرة، و اتُخذَ مقياسا للحكم لم يكن صائبا، مما أدى، بعد خمس سنوات نفس الخريطة السياسية. لقد أدرك المخزن، مرة أخرى بأن الحكومة لا محالة ستفشل، لأن الأغلبية لم تصوت لصالح العدالة و التنمية، و على أن هذه الأغلبية الصامتة، لها موقف معادي للتصويت لأسباب تراها وجيهة. فمن جهة، الأغلبية الصامتة ديمقراطية، لكن ليس بنفس الديمقراطية الغربية، و تعتبر على أن إرادة المجتمع حداثية و لها نمط اجتماعي مزدوج : مدني/ديني، و لا ترى في السياسي حلا لخيبتها، لأنهم عرفوا بأن النظام في كليته لا يسير إلى جانب المجتمع. و على أن الحل هو نسف آليات هذا النظام بالامتناع عن التصويت. الدولة في صورتها العمودية، لن تقبل تفكيك العلاقة السياسية إلى حالة دولة غير سياسة، ما العمل إذن؟ من جانب آخر يمكن أن نلاحظ، و دائما من منظور الملاحظ للمشهد السياسي المغربي، يبدو أن السياسة في المغرب، لا زالت في حاجة للمخزن، في ظل نفس النظام السياسي. بات المجتمع هذه المرحلة المتوترة في حاجة إلى المخزن، لحمايته من طيش السياسة على الحياة الاجتماعية للمغاربة، و مصيره المعيشي، الذي تدنى إلى دون المستوى، و إلى ظهور ظواهر اجتماعية، لم تكن ملاحظة أو تشكلت في السنوات الأخيرة، دائما نتيجة الحكومة الجديدة، نظرا، لعدم اعتياد المغاربة على ديمقراطية مائة في المائة، تنتج عبر صناديق الاقتراع. لقد خلفت هذه الحكومة القديمة، انطباعا بأن السياسة هي باب الريع المفتوح عن آخره،. صاروا يشاهدون و يسمعون عن انحرافات لا أخلاقية، مصدرها الحكومة و ليس الشعب. لقد انقلبت العلاقة بين البرلماني و المصوت، إلى علاقة، تغيب فيها أخلاق العلاقة السياسية، مما ولد تخوفا، و ما حدث بالفعل، أن مصير الناس في يد عفريت، و أنهم ليس بإمكانهم الثقة في من لا أخلاق له، و في من لا يحترم حياة الناس البسطاء. تدخُل المَخزن أو المغرب العميق، جاء نتيجة هذه الملاحظات الداخلية و الخارجية، مقارنة بمصير الإسلام السياسي في مجتمعات عربية مجاورة، إنقاذ المَخزن للدولة، هذه المرة، اعْتُبر واجبا وطنيا، و لو فكرنا في الحكومة، كما كانت ستكون عليه، فلن تغير من برنامجها شيئا، فالمسار الذي اتخذته لن يوصل إلى حل، أو منفذ غير الاحتماء بالدين كحل مرحلي، لكن حينما يطالبك العاطل بالعمل و الأجير بالأجرة و المريض بالتطبيب ؟؟؟
إن المُغيب في علاقة المجتمع بالسلطة، هو تفكيك هذه العلاقة، ثنائية القيمة، و التي لا تسمح بمجاوزتها. إن أمر السياسة، لهو تصور لنمط عيش، و ثقافة دائما تسير إلى الأمام، و لا تعرف شيئا مقدسا، و إنما القدسية الأولى للإنسان، المواطن، كيفما كانت لغته أو دينه أو قبيلته. يجب أن تسير السياسة في اتجاه المجتمع و ليس في اتجاه السلطة. مجال السياسة ُأُفقي، يتم بين مواطنين لأجل أمر إنساني، أفقي المسار كذلك. لكي نكون( هيجليين)، يجب أن ننظر للدولة من باب الحق و ليس من باب الواجب. تفكيك الذهنية المغربية و تخليصها من مفهوم المَخزن و السلطة، و الديمقراطية الأقلية، سيولد نوعا من الانفراج في تمثلنا للسياسة، بأنها ذلك الشأن الذي يفتح الأبواب للقبائل على حساب قبائل أخرى، و بؤرة للاغتناء على حساب دافعي الضرائب. المجتمع هو السلطة الوحيدة التي تشرع و تحكم. ففي الدولة المعاصرة، جميع المواطنين يخدمون شيئا واحدا هو الإنسان، إذ لأجله كانت الدولة، و ليست غاية في ذاتها. المشاركة السياسية، غائية بهذا المعنى، أي المشاركة الفعلية في قراراتها، التي تصب في جهة المجتمع أولا و أخيرا.
النظام السياسي في كليته، مجال محاط، بعلائق تحده من أن يتشكل في شكل جديد، لذلك تجد البرلماني أو الوزير، ينتبه أكثر لمركزه، فهو نفسه، ابن المجتمع و يعرف مجتمعه، و يدرك مصيره خارج هذه التراتبية السياسة المحصورة بين أسماء معروفة، و على أن عوائق الاختلال ليس عوائقه، بل تسبقه، و ما عليه إلا الحد من تراكماتها.
إن السياسي في المغرب، رجل فاسد، في ظل نظام يُعيق كل محاولة للقفز إلى الأمام، بحل خارج علاقة سلطة /مجتمع. كيف يتخلص المغربي إذن من وساطة المخزن، كي تصير العلاقة : المجتمع/ سلطة، أفقية؟ حل هذه المسألة في مستوى نُضج النخبة السياسية و تفكيك علاقتها بالمخزن التي لا زالت تستمد منه الشرعية السياسية. شرعية السياسي الفاعل إذن، تكمن في تغيير دوره من سلطة عمودية، تنزل بالقرارات إلى مشاركتها مع المجتمع في كليته، باعتباره المشرع الأول للسلطة.

* باحث في الفلسفة و علم الاجتماع و علم النفس

التعليقات على الطرف الغائب في علاقة المجتمع المغربي بالسياسة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

النيابة العامة تحيل سائقي “الطاكسيات” المعتقلين في الرباط على قاضي التحقيق

قرر الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط، مساء اليوم السبت، إحالة أربعة سائقي سيارا…