د. رشيد لزرق
إن ما شهده الشارع في الحسيمة من أحداث لها مؤشرات خطيرة تدفعنا لطرح السؤال حول دور الأحزاب في هدم الفجوة بين الشعب و المؤسسات. هذا الحدث قد يكون الأكثر وقعا وصخبا ما بعد أحداث الحراك الشبابي لسنة 2011، من حيث جوهر الفكرة المتمثلة في احتجاج الشباب بأعلى صوت، و الذي يجب أن ينبهنا جميعا إلى خطر الفراغ السياسي والفجوة المؤسساتية، فالمواجهة التي شهدتها مدينة الحسيمة بين النشطاء و القوات العمومية هي ناقوس خطر ينبغي أن ينبهنا جميعا إلى مفهوم النضال المؤسساتي و دور القنوات الحزبية في عرض الملفات المطلبية للساكنة. إن حادث الحسيمة مؤشر خطير لحالة الفراغ السياسي لقوى التدين السياسي التي جعلت من السلطة غاية و ليست وسيلة، أتقنت لعبة إلهاء المخيال الشعبي بقصص هلامية و قيادات شعبوية فاقدة للوعي و المسؤولية؛ استولت على أحزاب عريقة من دون مصداقية، زادها الفساد الأخلاقي والانحطاط القيمي، واستفادت من عشرية التحديث لمراكمة أموال ضخمة تعجز عن تبريرها، وعملت على طرد النخب الفكرية وعلى استقدام نخب ريعية تحاول أن تحجز لها مكانا وسط هذا الفراغ السياسي الذي طغت عليه الممارسة السياسية بدون فكر، و من جهة اخرى محاولة رجال الأعمال و في خبطات سريعة انشاء تكتلات مصالحية، والقاسم المشترك بين الظاهرتين هو المشهد السياسي الذي يفتقد للفكر و التأطير والأسلوب والمنهجي، و النتيجة هي أحزاب أشخاص و ليس أحزاب أفكار ،لم تستطع النفاذ للعمق الشعبي، تعاني انحباسا فكريا و تخبطا سياسيا؛ تحاول تغطية الفشل عبر الاستعانة بأصحاب المصالح لتحقيق إنجاز انتخابي صرف ،تحت يافطة الانفتاح العاجز عن ولوج زمن الحراك المؤسساتي، لا تستطيع فك المعادلة الصعبة في خلق رجة مؤسساتية تحتضن المطالب الشعبية؛ حل المعادلة يتطلب إعطاء المجال لقيادات شبابية متحررة من عقد الماضي، قادرة على هدم الفجوة بين الفكرة و السياسة، نخبة لها الجرأة على فضح الفساد والإطاحة بالاستبداد والانتصار للمستقبل، هذه النخبة الآن هي حاجة وطنية ملحة للعبور من ثلاثي المسخ السياسي” المال والشعبوية والتدين السياسي”. ان الاستمرار في الواقع السياسي الحالي وحملات التيئيس التي يقودها بنكيران للبقاء في الساحة هو من قبيل سياسة العبث بامتياز، فالرجل كان جديرا به أن يعي أن مؤسسة رئاسة الحكومة تفرض أن يتحرر من خدمة فصيله السياسي لخدمة الوطن ككل ،و أن يكون رجل دولة جامع يتعاطى مع الشأن العام بمنطق مؤسساتي؛ كسبيل لتعزيز المكتسبات الدستورية؛ لكون هذه المؤسسة تعد حجر الزاوية في مغرب ما بعد دستور 2011. عليه الترفع و التعاطي بمسؤولية مع جميع الفرقاء و الحساسيات بغض النظر عن تموقعها في الأغلبية أو المعارضة؛ فموقع رئيس الحكومة يحتم عليه تجاوز المنطق الكيدي في السياسية أو المعاملة بالمثل، فالمعارضون من حقهم تقييم الأداء الحكومي و كذلك الصحافة التي يجب أن تكون العين التي تراقب الشأن العام؛ لكون الجميع يجب أن ينخرط في مشروع المواطنة، و الطريقة الأفضل لتحقيقها؛ لهذا وجب على رئيس الحكومة أن يعي أن مؤسسة رئاسة الحكومة ليست ملكا شخصيا لأي كان أفرادا أو أحزابا ، بل هي مؤسسة ينبغي تقويتها باعتبارها مكسبا دستوريا أساسيا و محوريا بالنسبة للحكم في المغرب .سنكون إلى جانب رئيس مجلس الحكومة إذا كان سيجسد القدوة في بناء الدولة العادلة لجميع المغاربة و سيتصرف بمسؤولية، و سيسارع إلى الإنصات لمطالب المجتمع، في حين اتجه بنكيران إلى شد الحبل بتصرفات انفعالية تقوي الانطباع بأن السياسية ليست مؤهلة لإعمال الديمقراطية بفعل تصرفاتهم السريالية، التي تقوي ظاهرة الستاتيكو والتي تولد اليأس رغم التراكم المتحقق مع الحريات في عشرية التحديث. إنه لمن الخطأ القاتل أن تتصور النخب المتحكمة في التنظيمات الحزبية التي تريد إغلاق كل النوافذ؛ عملا بمبدأ العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ،الأمر الذي يجعلها سدا منيعا أمام الجيل الجديد في سعيها للبقاء في القيادة، من دون رؤية نحو المستقبل، علما أن عدم مصداقيتها يزيد في الفجوة السياسية بين الشارع و المؤسسات، الشيء الذي يمثل أزمة حقيقية تهدد التجربة الديمقراطية المغربية ككل. إن هدم هذه الفجوة يتطلب روح نخب قادرة على جعل المنظومة الحزبية تعكس نبض الشارع، و الذي يتطلب الذكاء و الوعي والمواطنة؛ قوامه الوضوح و المكاشفة، وهى المميزات التي تفقدها القوى المتحكمة في البنية الحزبية التي تمارس السياسة بدون فكر؛ في حين، اللحظة تتطلب كوادر سياسية مسؤولة و ذات كفاءة.