يقتتل الناس من أجل ما يعتبرونه هويات، ويسترخصون الغالي والنفيس من أجل ذلك، ويستنكفون من النظر إلى الواقع وتشعبه وغناه. هكذا يقول لنا أمين معلوف في كتابه الذي يحمل ذات العنوان، وهكذا يوحي لنا، في متن كتابه، أن على من هم في منزلة بين المنزلتين أن يضطلعوا بمسؤولياتهم قبل فوات الأوان.
خطر ذلك وأنا أستمع إلى عرض السيد المحجوب السالك زعيم خط الشهيد يحاور ثلة من ذوي الرأي بجامعة مونديا بوليس بالدار البيضاء يوم 18 يناير الحالي. الهويات بناء. بناء على جنس، أو عرق، أو لغة أو دين. الهويات لكي تستقيم تنصب الآخر عدوا. من دون عدو، فهي لا تستطيع أن تحافظ على تماسكها… يبدأ الأمر بالخطاب، وينتهي إلى الدماء..
ماذا قال المحجوب الذي ينتقد الهويات أيا كان شكلها؟ خطاب البوليساريو انبنى على شيطنة المغرب، وخطاب المغرب الرسمي انبنى على تبسيط لقضية معقدة، من قبيل “الصحراء مغربية من طنجة إلى لكويرة”..والواقع أعقد، لأن هناك وشائج تاريخية عميقة قبل أن توجد الحدود، وهي، مثلما قال المحجوب “خزعبلات”، مثلما أن هناك أخطاء تدبيرية في الماضي والحاضر لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، ومنها أوضاع العائدين، وتركيبة الكوركاس، وأداؤه.
ست عشرة سنوات من الحرب أفرزت شهداء ومعطوبين وكذلك أغنياء حرب مستفيدين من استمرار النزاع لأن منهم يستمدون “شرعيتهم” إن كان يسوغ أن يسمى الأمر شرعية. أربعون سنة من النزاع أفرزت ساكنة تعيش ظروفا مأساوية، وعطلت بناء الاتحاد المغاربي، وأضحت تنتصب كبؤرة توتر، في سياق مضطرب، يمكن أن ينفتح على كل شيء.
هل من أمل؟ نعم، يقول السالك. نعم يبدو طرحه طوباويا، ولكن الطوباويون هم من خلخل أوضاع محتقنة جامدة. العقلانيون والبراغماتيون يدبرون قضايا قائمة بوسائل متاحة، أما الحالمون أمثال موني في صراع فرنسا وألمانيا، ودوكول في صراع فرنسا والجزائر، ومنديلا بين البيض والسود في جنوب افريقيا، فهم من تجاوز بشجاعة ومسؤولية أوضاع معضلة وخلخلوا القائم والمتواضع حوله.
مدار الأمل يقول المحجوب هم الشباب، جيل جديد لا تثقله الأيديولوجيا أو خطابات الهوية، وثانيا الحكماء. الحكمة ليست قصرا على زمن أو قبيل أو بلد. وهي تبزز حينما يتهدد شبح الدمار والخطر الماحق.
لا أحب كثير لغة الأرقام، ولكن فيما أورده المحجوب ما ينبغي أن يثير الاهتمام. أنفقت الأمم المتحدة على بعثة المينورسو التي لا يتجاوز عددها بالكاد مئتي شخصا، منذ 1991 أكثر من مليار دولار، وتوصل الساكنة من الصحراء بتندوف بـ 600 مليون دولار مساعدات، منذ بدء النزاع..
تدبير النزاع، ولربما الإبقاء عليه، يكلف أكثر من المعنيين. ألا يفيد ذلك أن قد تكون أياد من مصلحتها الإبقاء على النزاع، ولا بأس أن يكون باسم مبادئ نبيلة.
كم من حماقات تنبني على مبادئ نبيلة. ألم يئن الأوان لنبرأ من الهويات لفائدة القيم؟ هل منا ومن إخواننا بالجزائر رجل رشيد؟
التعليقات على الهويات القاتلة مغلقة