هل أسدى وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، رغما عنه، خدمة ثمينة للمعركة التي لم تؤت أكلها منذ بدايتها وإلى الآن. أقصد المعركة التي كانت تروم إحقاق استقلالية فعلية للقضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ وذلك من خلال “مطاردته الساحرات” المتمثلة في عدد من المتابعات التأديبية التي قام بها بغرض تصفية الحسابات مع رجال القانون “المتمردين”، المنضوين تحت لواء نادي قضاة المغرب. فقد سبق لهذا الأخير (نادي القضاة) أن وجه انتقادا لاذعا لمشروعي القانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة. ويجب التذكير بأن نادي القضاة كان قد اعتبر أن هذه النصوص تتسم بالتخلف وتحمل العديد من التناقضات.
في هذا السياق، كان نادي القضاة قد تقدم أمام مجلس النواب بمذكرة حول مشروعي القانونين، وتنادي المذكرة بـ:
– استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية.
– تكريس حق القضاة في التعبير الفردي والجماعي وحقهم في الانتماء إلى الجمعيات.
– خلق هيئة عليا قضائية وإدارية للمملكة(مجلس الدولة).
– دعم مبدأ الإنصاف والشفافية والعدالة في تدبير الوضعية المهنية للقضاة.
فهل يعقل أن تسعى الدولة- وأساسا مكونها المخزني واللوبيات الخاضعة لهذا المكون- من خلال المتابعات القضائية التي تتحول إلى تحامل واضح، إلى إبقاء الجسم القضائي بين قبضتها وتحت حذائها؟
إننا الآن نحاكي محاكمات محاكم التفتيش، حيث نجد الرميد يتقمص شخصية طوماس توركيمادا (رجل دين من الدومينيكان الإسبان، ومؤسس محاكم التفتيش).
ويبقى التساؤل الضروري الذي يطرح نفسه: هل يتصرف الرميد من تلقاء نفسه، أم أنه محض أداة، راض ومنصاع، بين أيدي قوى خفية كتلك التي أنشأتها مختلف الأجهزة الأمنية؟ إذ تعتبر هذه الأخيرة بأنه من الضروري وضع حد لبداية انتفاضة ممكنة من قبل القضاة، انتفاضة إن لم يتم كبحها، قد تتحول إلى تسونامي سيؤدي إلى استقلال فعلي للقضاء عن السلطتين التنفيذية والتشريعية. وهو الأمر الذي، إن تحقق، سيحرم المخزن، السياسي والاقتصادي، من سلاحه الأساسي الذي يستعمله للإكراه والقمع والابتزاز.
علاوة على هذا، فإن “توركيمادا” المغرب، الذي، ومنذ أن انخرط في محاكمات التفتيش هاته، لم يتوان عن في خرق القانون والإمعان في خرقه، وعن التطاول على صلاحيات الملك باعتباره رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء. مما لا شك فيه أن الرميد يتمتع بدعم، ضمني على الأقل، من طرف وزيره الأول ورئيس حزبه، ولم لا، بعطف الديوان الملكي، فهذا الأخير لا يمكن إلا أن يهنئ نفسه على القمع الذي يواجَه به هؤلاء القضاة، الذين يقودون “انشقاقا” هو من أخطر ما يواجِه النظام المخزني بكل مكوناته، السياسية منها والاقتصادية والعسكرية والأمنية، لتصدق عليه (الديوان الملكي) بذلك مقولة “لم آمر بها ولم تسؤني”.
هنا يكمن الرهان الحقيقي للعبة الذراع الحديدية (le bras de fer) ما بين هؤلاء القضاة “الرافضين” وما بين النظام المخزني. وهو رهان يرتبط به مستقبل الديمقراطية في بلدنا. لأنه، إذا استطاع هؤلاء “الرافضون”، ومعهم الكثيرون من مناصريهم، سواء في مختلف الأجسام القضائية (قضاة جالسون، قضاة واقفون، كتاب الضبط، عدول، محامون)، أو مناصروهم من المجتمع المدني، اذا استطاعوا أن ينتزعوا، ولو جزئيا، السلطة القضائية من قبضة السلطتين التنفيذية والتشريعية، سيتمكنون بذلك من تحقيق خطوة كبيرة على طريق دمقرطة البلاد.
مجلس المنافسة: حجم واردات الغازوال والبنزين بلغ أزيد من 14 مليار درهم خلال الربع الثاني من سنة 2024
أفاد مجلس المنافسة بأن حجم الواردات الإجمالية للغازوال والبنزين بلغ 1,65 مليون طن، بغلاف م…