حسن أنفاوى 

(أستاذ جامعى باحث في الطاقات المتجددة جامعة محمد الخامس، الرباط)

capture

 

كان انعقاد مؤتمر الأطراف الواحد والعشرين (كوب 21) بباريس بشأن التغيرات المناخية سنة 2015 حدثا عالميا تاريخيا. لأول مرة جميع دول العالم تتفق على مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، والعمل على تخفيض معدل درجات الحرارة للغلاف الجوي على أقل من 2 درجة مئوية، مع مساعدة البلدان النامية على نقل التكنولوجيا و الحصول على التمويل الضروريين للتكيف مع التغيرات المناخية.

لكن استنادا إلى معطيات نشرتها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، تأكد ارتفاع المعدل العالمي لتركيز أهم الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي العالمي إلى مستويات قياسية بلغت 400 جزء في المليون، لأول مرة منذ سنة 2015، وهو ما يعكس معطى مفاده أن العالم متأخر في الاستجابة لأهم أهداف اتفاق باريس، والمتجلية في السعي ما زال للحد من الاحتباس الحراري.

لكن تصديق أكثر من 100 دولة على اتفاق باريس قبل انعقاد “كوب 22” بمراكش، متجاوزا 55 دولة مسئولة عن 55٪ من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، محققة بذلك الحد الأدنى المطلوب لدخول اتفاقية باريس إلى حيز التنفيذ. سيساهم في نجاح كوب 22 ويسهل التفاوض بين المسئولين السياسيين، أصحاب القرار، على الصعيد العالمي على اتخاذ قرارات عملية وملموسة مثل:

– إشراك الدول الأكثر تلويثا للبيئة مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى تخفيض فوري لانبعاثاتها الغازية المسببة للاحتباس الحراري،

– مساعدة البلدان النامية على نقل التكنولوجيا و الحصول على التمويل، بتعبئة الصندوق الأخضر المكون من 100 مليار دولارا سنويا ابتداء من سنة 2020، الخاص بالتكيف مع التغيرات المناخية والحد من الاحتباس الحراري،

– وضع الآليات القانونية والعلمية والعالمية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري أقل من 2 درجة مئوية، لتجنب ترجيح خطير مناخي لا رجعة فيه،

– تبسيط الحصول على التمويل وتحديد معايير الأهلية للمشاريع المرشحة للتمويل.

إن “المصادقة على اتفاق باريس هو “نقطة تحول” في تاريخ الجهود البشرية ويجسد الإرادة السياسية لبلدان لوضع حاجزا أمام كارثة مناخية حقيقية تهدد البشرية ، وفتح الطريق لمستقبل مستدام ” كما أكدت باتريسيا اسبينوزا، السكرتيرة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطار، بشأن التغيرات المناخية.

خلال كوب 21 في باريس، جل الدول ومنها المغرب، قدمت مقترحات للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. المغرب لديه معدل الانبعاث أقل بكثير من المتوسط العالمي الحالي. حتى ولو لانبعاثاته لا أهمية لهم على الصعيد العالمي، فإنه لا ينبغي له الزيادة فيها، على الرغم من الرغبة المشروعة الرامية إلى زيادة النشاط الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشي للمغاربة. فإن التمويل المطلوب من المغرب  إلى المجتمع الدولي، سيستخدمه للانتقال إلى نموذج جديد للتنمية المستدامة التي تحترم البيئة وتتكيف مع التغيرات المناخية. ويجب التذكير، المغرب يتموقع اقتصاديا حسب القطاعات، خاصة في مجال الزراعة والطاقة، فهو يمتلك عدد من مقترحات المشاريع الجيدة والمربحة اقتصاديا. كما يحاول ترجمتها إلى سياسات وطنية، محلية، مجدية وملموسة، على سبيل المثال تطوير الزراعة واستغلال الطاقات المتجددة.

بالإضافة إلى خبرته العريقة في المجال الزراعي، المغرب لديه إستراتيجية لبناء السدود. حاليا، بالإضافة إلى مئات السدود الصغيرة، المغرب يتوفر على 139 سدا كبيرا، مكنته من التحكم في ندرة المياه وترشيد الموارد المائية التقليدية الناتجة عن الأمطار في الري، وبالتالي ضمان أمنه الغذائي. حجم الموارد المائية المتاحة في المغرب، تتراوح بين 50 و 250 مليارا مترا مكعبا،. يتم تخزين 18 مليارا مترا مكعبا، لكن 13 مليارا مترا مكعبا منها فقط يمكن تعبئتها في ظل ظروف تقنية واقتصادية مقبولة. في حين أن إمكانات مياهه الجوفية المتجددة، تقدر ب 4 مليارا مترا مكعبا.

تقدر إمكانات المغرب من الطاقة الكهرومائية القابلة للاستغلال ب 5000 ميجاوات، لكن لا يتم استغلال إلا ربعها. المغرب لديه أكثر من عشرين سدا كبيرا مجهزا بمحطات الطاقة الكهرومائية. أكبرهم قدرته 240 ميجاواط. مساهمة  الطاقة الكهرومائية تتراوح بين 5.1٪ و 13.7٪ من صافي استهلاكه الكهربائي. هذا النوع من الطاقة متوافق تماما مع معايير كهربة اللامركزية، وخاصة في المناطق الجبلية التي تتميز الشلالات.

يستورد المغرب أكثر من 96٪ من إمداداته  الطاقية من الخارج. إجمالي استهلاكه الوطني للطاقة الأولية هو 17.7 مليون طن نفطا معادل في عام 2012. وتمثل المنتجات النفطية نسبة 60.6٪. بلغ صافي استهلاكه من الطاقة الكهربائية 32030 ميجاواط ساعة في عام 2013. يتزايد الطلب السنوي المتوسط على الطاقة ب:

– الطاقة الأولية: 2.6٪

– الكهرباء: 8٪.

يتوفر المغرب على قوة كامنة شمسية ورياحية مهمة:

* المعدل السنوي للإشعاع الشمسي اليومي على مستوى أفقي بالمغرب يتراوح من 2.38 إلى 6.89 كيلوات بالمتر المربع، وهو  ما يمثل ما مجموعه 2154 ساعة سنويا من أشعة الشمس بالمناطق كثيرة الضباب و 3504 ساعة في السنة  في المناطق المشمسة.

* يتوفر المغرب على أكثر من 3500 كيلومتر من السواحل البحرية (المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط) والجبال (ألأطلس والريف)،  المغرب لديه إمكانيات كبيرة من القوة الكامنة للرياح،  موزعة على عدة مناطق.  نذكر  على  سبيل  المثال:

– طبنجة وتطوان، المعدل السنوي لسرعة   الرياح   تقدر   ب 11.8 متر / ثانية على علو 10 متر،

– الداخلة، العيون، طرفاية، تارة والصويرة، المعدل السنوي لسرعة الرياح تقدر ب 7-8.5 متر / ثانية.

في إطار تنويع مصادره من الطاقة الكهربائية، والحد من اعتماده على استزاد الطاقة الأحفورية والانبعاثات الغازات الدفيئة، والإدماج  بالأسواق الطاقية الإقليمية والأوروبية، والتكيف مع تغيرات المناخية، وضع المغرب برنامجا طموحا لتطوير الطاقة المتجددة بحلول سنة 2030، وأنشأ لهذا الهدف الوكالة المغربية للتنمية المستدامة، كما سن مجموعة من القوانين  للتغلب على العقبات التي تحد من تطور هذا القطاع. يعد المغرب البلد الأفريقي الثاني الذي يستثمر قي الطاقة المتجددة بعد جنوب أفريقيا، من خلال وضع إستراتيجية للحصول على 52٪ من قدرته الكهربائية  من الطاقات المتجددة في حلول عام 2030.

* منذ عام 2009،  أعتمد المغرب على إستراتيجية استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء على نطاق واسع.  شيد  أول  محطة  للطاقة  الكهربائية  تدمج  الطاقة  الشمسية (20 ميغاواط) في عام 2010  بوجدة. إنها  محطة  حرارية  شمسية (محطة هجينة غاز طبعي- شمس) (472 ميغاواط). معدل إنتاجها السنوي  من الكهرباء يقدر ب 3538 ميغاواط ساعة, المحطة الثانية (160 ميغاواط)، ثم تشيدها  في ورزازات سنة 2016. ويقدر إنتاجه سنويا  من الكهرباء ب 4500 ميغاواط ساعة، وسعر الكهرباء المنتجة ب 0.147 أرو / كيلوواط ساعة، مع سعة تخزين 3 ساعات، بسعر منخفض عالمي جديد لهذا النوع من التكنولوجيا. الجزء الثاني من محطة ورزرزات (200 ميغاواط) قيد الانجاز، انه عبارة عن محطة لتوليد الكهرباء باستعمال تقنية مشابهة للجزء الأول، مع سعة تخزين أكبر تقدر ب 7-8 ساعات. يوضح انجاز هذه المحطة بأن المغرب يوجد في طليعة الدول على مستوى العالمي فيما يخص  الطاقة الحرارية الشمسية.

* انتقلت قوة الكهرباء المنجزة من طاقة الرياح بالمغرب من 50 ميغاواط في سنة  2000 إلى 757.3 ميغاواط في سنة 2014. تعد محطة تطوان، أول  محطة شيدت بالمغرب، أما محطة طرفاية (301 ميغاواط) فهي ألأكبر في أفريقيا، شيدت سنة 2014، أكبر من محطة أشكودا بأثيوبيا (120 ميغاواط). بدأ المغرب منذ 2014 ينتج أكثر من 5.1% من استهلاكه من الطاقة الكهربائية بتكلفة منافسة للذي نستخرجها من المنتجات النفطية.

تمت مؤخرا مناقصة عدة محطات للطاقة الرياح، خاصة في جنوب المغرب وتازة، بقوة إجمالية قدرها 850 ميغاواط، تم تحديد السعر لكل كيلوواط ساعة ب 0.03 أرو، سعر منخفض عالمي جديد كذلك. محطة تازة سينتهي من انجازها نهاية سنة 2016. ومع ذلك، يجب توفير مصادر بديلة أخرى لسد الانخفاض في إنتاج الكهرباء عندما تنخفض سرعة الرياح.

فإذا كانت التغيرات المناخي نتيجة نمو السكان والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية،  فان تأثيراتها السلبية غالبا ما تكون محلية وجهوية، وأكثر قسوة على الدول النامية، خاصة الدول الإفريقية التي لا تساهم إلا ب 4 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة، دون أن تكون مسئولة عليها، مما يستدعي دعمها تقنيا وماليا في إطار العدالة المناخية، حتى تتمكن من التكيف والحد  من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية عليها.

نتيجة تضاعف عدد السكان المتوقعة بإفريقيا بحلول عام 2050، فإن التغيرات المناخية لها تداعيات كارترية عليها وذلك بانخفاض قدره 4.7٪ من إنتاجها المحلي الإجمالي، ويرجع ذلك أساسا إلى تدهور القطاع الزراعي، مما يقوض استقرار البلدان الأفريقية من خلال زيادة البطالة،وخاصة الشباب. وبالتالي مخاطر كبيرة على السلام والأمن نتيجة زيادة مخاطر الصراع على الموارد الطبيعية.

نتيجة موقعه الجغرافي وعمقه التاريخي والثقافي في إفريقيا، يلتزم المغرب بتوثيق التعاون مع دول إفريقيا لتمكينها من التكيف مع التغيرات المناخية وتعزيز مقاومة اقتصادياتها وتطويرها. بصفته رئيس كوب 22، سيمثل المغرب صوت أفريقيا، خاصة فيما يتعلق بمسألة التمويل وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا، كما سيعمل على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتقديم الدعم اللازم للبلدان الجنوب وعلى وجه الخصوص بلدان القارة الأفريقية والجزر المهددة بالانقراض نتيجة ارتفاع سطح البحر.

قطاع الفلاحة ضروري لتأمين الأمن الغذائي بالقارة الإفريقية وباقي دول العالم، فلهذا سيشكل مؤتمر مراكش مناسبة للتفكير في ربط التطور ألفلاحي بالتغيرات المناخية ومقاربة التحديات والتحولات التي تواجها الفلاحة وطرح الفرص والحلول الممكنة لتجوزها، وذلك بتضافر الجهود وتبادل الخبرات للرفع من مرد ودية الأرض المزروعة. لهذا سيعرض المغرب مبادرة تكييف الفلاحة بإفريقيا، تؤسس لأول مرة على أهمية العلاقة بين التطور ألفلاحي وبين التغيرات المناخية، معتمدا على  تجربته الفلاحية وأخذا بعين الاعتبار نقط ضعفها، المبادرة تتأسس على محورين الأول مؤسساتي يسعى إلى إسماع صوت الفلاحة الإفريقية في المفاوضات التي تهم المناخ، والثاني تطبيقي يرمي إلى تنمية وتطوير المشاريع الملائمة للفلاحة، مع السعي إلى تسريع تمويلها من طرف المؤسسات البنكية الإفريقية والدولية، وتحويلها إلى مشاريع عملية.

كوب 22 فرصة للمغرب لتسليط الضوء على جهوده المبذولة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.  كما أن هذه القمة هي فرصة للقطاع المغربي العام والخاص لتعزيز وتحسين قدرتهم العلمية والتقنية للاستفادة من التمويل الدولي، واقتراح مشاريع فعالة مربحة اقتصاديا، تتكيف مع التغيرات المناخية وتحافظ على البيئة.

 

 

التعليقات على “كوب 22”: المغرب بلد  أفريقي نموذجي في التكيف مع التغيرات المناخية مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…