غادر فؤاد عالي الهمة وزارة الداخلية سنة 2007، ليترشح في الانتخابات التشريعية لنفس السنة، حيث اكتسح دائرته بفوز عريض، جعله ينتزع المقاعد الثلاثة المخصصة لدائرة بنكرير باسم لائحة مستقلة حملت شعار “الكرامة والمواطنة”، ومباشرة بعد إعلان فوزه، توجه إلى “بلاطو” القناة الثانية، حيث هاجم حزب العدالة والتنمية، ووصفه بالظلام، وظهر جليا أن فؤاد عالي الهمة ترك وزارة الداخلية من أجل مواجهة زحف الإسلاميين.
بعد ذلك انطلقت دينامية “حركة كل الديمقراطيين”، التي اجتمع حولها كل الأصناف والأطياف السياسية، في “كوكتيل” غريب وعجيب، وواصلت “حركة كل الديمقراطيين”، ما اسماه القائمون عليها باللقاءات التواصلية، والتي كانت تتميز بالضخامة والفخامة، من حيث اللوجيستيك، والإمكانيات المادية المتوفرة. وبعد الزخم الكبير، الذي انطلقت به الحركة في الشهور الأولى، وبعد أن تحلق حولها عدد كبير من “المتحمسين” للفكرة، أخذ الفراغ يتسرب إلى نفوس قيادتها قبل أعضائها، لغياب هدف سياسي معين، حيث النقاش الثقافي والفكري والسياسي جيد، لكنه مرهق، و”النخبة” المغربية، كانت “متعطشة” للمرور إلى مرحلة العمل من أجل تطبيق “المشروع السياسي والثقافي الحداثي”.
سنة 2008، ومؤسسو “حركة كل الديمقراطيين”، لازالو يناقشون فكرة تأسيس حزب سياسي، ولم يكونوا قد استقروا بعد على اسم للحزب المرتقب، أجريت حوارا مع أحمد اخشيشن رئيس “حركة لكل الديمقراطيين”، في مكتبه بوزارة التربية الوطنية، حيث كان يحمل حقيبة وزارة التعليم بحكومة عباس الفاسي، وكان سؤالي الاخير له في استجواب مطول نشر على صفحتين، “ألن تشعر يوما بالندم، لأنك ستنتمي لهذا المشروع السياسي المرتقبة ولادته؟. فكان جواب اخشيشين وبنوع من العتاب – بعد صمت قصير- “نعم لن أندم ابدا على دخولي في هذا المشروع السياسي”، لكني أحسست في كلامه، نوعا من التردد والتفكير الجدي في ماهية السؤال.
اليوم أعيد طرح السؤال على أحمد اخشيشن، وعلى كل المؤسسين لـ “حركة كل الديمقراطيين”، ومن بعدها حزب “الأصالة والمعاصرة”، هل نجح المشروع السياسي والثقافي والفكري الذي جئتم به على أرض الواقع؟. فإذا كان الهدف هو فقط، خلق قطب سياسي مقاوم لحزب العدالة والتنمية. فقد نجحتم في غايتكم. أما إذا كانت الغاية هي تنزيل مشروع إيديولوجي وفكري على طرفي النقيض من مشروع الإسلاميين عموما، وحزب العدالة والتنمية بالأخص، ويقدم بديلا كمشروع مجتمعي قائم الذات، فقد لاقيتم الخسران المبين ليس فقط،- حسب ما أعتقد – على مستوى النتيجة، بل أيضا، على مستوى الوسيلة. فكيف سيتصرف اليوم مؤسسو “الأصالة والمعاصرة”، وهو الحزب الذي خلق ليحكم، وليطبق تصوره المجتمعي، بعد قرابة عشر سنوات من انطلاق مشروع “مواجهة الإسلاميين”؟.
هل سيقبل مؤسسو الاصالة والمعاصرة بدور المعارضة، القائمة على الصراخ، خاصة وأن “الصراخ السياسي”، يحتاج إلى عناصر بشرية قادرة على ممارسته، وهو الأمر الذي أتبثت الخمس سنوات الماضية، ان المعارضة بأكملها لم تكن قادرة على مواجهة بنكيران تحت قبة البرلمان، مما دفعها إلى عرقلة الجلسات الشهرية لرئيس الحكومة، بعد أن كانت تطالب بها في بداية الولاية. أم أن البحث على بدائل سياسية حقيقية منبعثة من عمق المجتمع المغربي، أصبح ضرورة ملحة، وبناء عليه سيكون لزاما الاعتراف بفشل مشروع الأصالة والمعاصرة كمشروع سياسي بديل، “ولا أتحدث هنا عن تنظيم سياسي حقق نتيجة مهمة في الانتخابات وصلت إلى ضعف ما حققه سنة 2011”.
فهل بعد مرور قرابة عشر سنوات على بروز مشروع “مواجهة الإسلاميين”، و”فشله” في إقناع المغاربة بأنه البديل الحقيقي عن الأحزاب التقليدية وعن الإسلاميين، سيقف القائمون على حزب الاصالة والمعاصرة وقفة تأمل مع الذات، لإعادة النظر في الأداة التنظيمية، والمشروع السياسي والفكري ، والتصور المجتمعي الذي يمكن أن يشكل بديلا حقيقيا لما هو متوفر ، حتى الآن، أم أن الداء الذي أصاب كل الاحزاب التقليدية المغربية، سيتسرب أيضا إلى حزب الاصالة والمعاصرة، وتصبح المقاعد والمناصب هي الأهم!