تابعنا جميعا وتابع الرأي العام مؤخرا ما تمت تسميته ب”أزمة” الأساتذة المتدربين. وما كان توترا قطاعيا بين فئات محتجة وحكومة متعنّتة، أصبح فجأة قضية وطنية تتناسل وقائعها إلى حدود اليوم.
فقد منع المحتجون من الاحتجاج بل وتم قمعهم بعنف مبالغ فيه وغير متناسب مع الوقائع التي عكستها الصحافة وعاينتها المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية. ورفعت في وجههم ورقة التجمهر والاحتجاج غير المرخص به. ودخل عدد من الوزراء بما فيهم رئيس الحكومة في سلسلة من الأفعال وردود الأفعال والتناقض في التصريحات عقب افتضاح حدة العنف والإصابات التي لحقت الضحايا. بل ذهب رئيس الحكومة إلى حدود القسم بأغلظ الايمان بعدم الرضوخ أبدا للمطالب المطروحة. وتمت الإشارة بالمباشر والمرموز إلى كون قوى سياسية تؤجج غضب المحتجين.
فما هي مطالب المحتجين؟ إن الأساتذة المتدربين يطالبون بإسقاط مرسومين. وبدون الدخول في اعتبارات تتجاوز هذا الملف وتجعله كرة تتقاذفها الأرجل، فقد بادرت عدد من الأسماء باقتراح مخرج للأزمة لا يصادر حقوق المحتجين المكتسبة ولا يغلق الباب أمام تجويد التعليم ومردود المدرسة العمومية.
تقترح المبادرة أن تقوم الحكومة من جانبها بإبطال العمل بالمرسومين برسم الموسم الدراسي 2015-2016، وذلك بسبب التأخر في نشرهما في الجريدة الرسمية، وهو ما تتحمل كامل مسؤوليته الحكومة، ثم الشروع في إعادة النظر في مضمون المرسومين الوزاريين بما يُلزم الدولة بالاستمرار في تحمل مسؤولية قطاع التعليم، مقابل أن يلتزم الأساتذة المتدرّبون باستئناف تكوينهم وتدارك التأخر الحاصل في هذا السياق.
وينبني هذا الاقتراح على اعتبارات متعددة منها الدستوري والقانوني والاجتماعي والنفسي وغيره: فالمراسيم الوزارية التي غيّرت من طبيعة مهمة مراكز التكوين كباقي المراسيم ليس لها أن تصبح سارية المفعول فور إصدارها بل فقط بعد نشرها في الجريدة الرسمية، إذ من شروط سريان القواعد القانونية، كما يعرف الجميع، أن تُنشر بالجريدة الرسمية كما ينصّ الفصل السادس من الدستور على ذلك. ثم هناك مراحل الولوج إلى هذه المراكز جميعها التي تمّ استنفادها بالنسبة للمعنيين بها، أي المحتجين اليوم: الامتحانات، الإعلان عن النتائج، وتوقيع المحاضر. بل إن الأساتذة المتدربين قد وقعوا يوم 7 أكتوبر 2015 على محاضر الولوج، وذلك قبل أن تصبح المراسيم سارية المفعول، علما بأنهم حصلوا من مراكز التكوين على بطاقات تصفهم بـ”الأساتذة المتدرّبين” ولم يعودوا مجرد “طلبة يخضعون للتكوين”.
إن النتيجة الطبيعية والمنصفة إذن، هي أن فوج 2015/2016 غير مُلزم بهذه المراسيم، بل إنه يخضع للقوانين التي ظلت سارية قبل هذه المرحلة، ومن الإجحاف إلزامه بما لا يُلزمه به القانون.
إن ما يزيد الطين بلّة هو الظروف النفسية والاجتماعية والمادية الخاصة التي صار يعيشها الفوج المعني، والتي من مظاهرها اليأس والإحباط، سيما بعد القمع المدان الذي تعرّض له، إضافة إلى احتمال التوجه، في حال بقاء الحكومة على تعنتها، نحو أمر واقع سلبي يتمثل في السنة البيضاء، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على كامل الموسم الدراسي 2016 – 2017، ويتمثل على وجه الخصوص في إلحاق المزيد من الضرر بالمدرسة العمومية المغربية بما تعانيه من نقص في الجودة والأطر عبر تعطيل مسلسل إصلاح قطاع التعليم المعلن من قِبل الحكومة.
التعليقات على لا العصا الغليظة ولا الأيمان المغلظة بقادرة على حل معضلة الأساتذة المتدربين مغلقة