خالد الجامعي
مرة أخرى نجد أنفسنا أمام مظاهرة يتيمة لا أحد يتبناها.
تظاهرة جمعت أطيافَ الشعب المغربي، من سائقي الطاكسي إلى التلاميذ إلى المعطلات والمعطلين إلى المنتمين إلى حزب التراكتور والاتحاد المغربي للشغل إلى المنضوين، وهم كثر، تحت عباءة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
متظاهرون أتوا من جميع نواحي المملكة وجندت لنقلهم 180 حافلة!!
مظاهرة قال في شأنها وزير الداخلية حصاد : “أقدمت وزارة الداخلية، بمجرّد علمها بهذا التحرّك الاحتجاجيّ، على التشاور مع كل المصالح الأمنيّة”، وأردف قائلا: “كان توافق الجميع على أن هذه المرحلة السابقة للانتخابات التشريعيّة لا تسمح بمنع تظاهرة بهذا الشكل، وذلك لتفادي وقوع انفلاتات، فتم الوصول إلى قرار بعدم الترخيص للتظاهرة، باعتبار وزارة الداخلية لم تتوصل بأي طلب يهم ذلك”.
كيف يمكن التوفيق بين عدم المنع وعدم الترخيص؟ سؤال يطرح نفسه بإلحاح.
سؤال آخر هل تم إعلام الوزير الأول في ما اتُّخِذ من قرار في موضوع هذه المظاهرة وذلك نظرا لبعدها السياسي والأمني؟
في البلدان الديمقراطية الحقيقية، مثل هذا القرار يكون نتيجة مشاورات بين رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية ووزارة العدل.
وهكذا لم تمنع ولم ترخص وزارة الداخلية مظاهرة شارك فيها آلاف المتظاهرين الذين جاءوا من جميع أقاليم المملكة بدون أن تعلم من نظمها ومن مولها ومن شحنها بشعارات مختلفة.
هل أصبحنا في بلد السيبة وهل أصبحت مصالحنا الأمنية DST-RG-DGET-DAG غير قادرة على التعرف على من يقفون وراء هذه التظاهرة ومن أطرها ومن مولها، علما أن مثل هذه التظاهرة لابد أن يكون وراءها، على الأقل، خلية قادرة على التنسيق بين عشرات الطوائف التي شاركت والتي أتت من عشرات المدن والقرى وتكلفت بالنقل وبالمكونات اللوجستيكية من أكل وشرب وتنظيم إن هذه التظاهرة تعد سابقة في التاريخ السياسي المغربي.
إن الذي أوحى بهذه الفكرة والذين جسدوها على أرض الواقع ليس لهم مع الذكاء والخبرة السياسية أي صلة إنهم، أبانوا على ما يبدو بلادة قل نظيرها وهنا وجب التذكير بالمثل المغربي “جا يــكحَّــل لو عماه”.
لقد تناسوا أننا نعيش في زمن الأنترنيت والفايسبوك ويوتوب وفي عهد الصحافة الالكترونية إن هذه الوسائل “فرشت” منظمي هذه المسيرة وفضحتهم شر فضيحة وبالصوت والصورة.
لقد اتضح أن غالبية المتظاهرين لا يعرفون لماذا جاءوا لهذه المظاهرة ومرددين شعارات لا يفهمونها.
ولقد اعترف أغلبية المتظاهرين أنهم أتوا بعدما طلب منهم المسؤولون، من مقدمين وشيوخ وقياد، الذهاب لهذه التظاهرة.
أكثر من ذلك فبعض المتظاهرين صرحوا بملء الفم أن ليست لهم مشاكل مع بنكيران وقال أحدهم: “جئنا لأنه قيل لنا سعوديا اغتصب قاصرا فأتينا لمؤازرتها من خلال وقفة احتجاجية وقال آخرون:
- هذه اللافتة جاء بها أناس آخرون.
- جاءت بنا السلطة والبام لنكون ضد بنكيران.
- ودبروا علينا ولا ندري لماذا جئنا.
- جينا على زيروا ميكا.
- جبنا أحيزون عبد السلام.
- جبنا المقدم بوشعيب الهاروشي.
وعندما سئلوا عن معنى التخوين، تبين بأنه لا يوجد ولو واحد يعرف معنى هذه الكلمة.
وهكذا تسطع بالصورة والصوت بلادة المنظمين الحقيقيين لهذه المهزلة كما تبين أن أيادي أجهزة الداخلية ليست بمنأى عن هذه العملية التي تذكرنا بعهد البصري كما تذكرنا بالمظاهرة التي نظمتها الداخلية ضد جريدة “لوجورنال إبدومدير” حينما اتهموا هذه الأسبوعية بنشر رسوم مسيئة للرسول.
إن هذه التظاهرة في آخر المطاف تحولت لصالح حزب العدالة والتنمية حيث جعلت منه ضحية المخزن الذي أبان عن لجوئه إلى أساليب أكل الدهر عنها وشرب والتي أرخت بظلالها السوداء على نزاهة الانتخابات المقبلة.
والأخطر أنه زج بالملك في هذه المظاهرة الشيء الذي يوحي بأنها تدافع على محمد السادس وكأنه يوجد في خطر ما.
كما زج ببنكمون الذي نال حقه من نقمة المتظاهرين.
لقد نسي منظرو هذه المهزلة أن السفارات الأجنبية وأجهزتها المخابراتية تتبعت أطوار هذه “المأساة المخزنية التي أبانت أن دار لقمان بقيت على حالها”.
إن الذين نظموا هذه المسيرة لا تهمهم الانتقادات التي ستوجه لهم من الديمقراطيين والحقوقيين لأن هدفهم كان هو إرسال رسائل إلى حزب العدالة والتنمية وحليفه التقدم والاشتراكية ولأحزاب أخرى.
ومن هذه الرسائل:
- لقد حان وقت رحيل بنكيران.
- إن المخزن لن يبقى مكتوف الأيادي خلال الانتخابات المقبلة وقد تكون هذه المظاهرة داخلة في حملة إنتخابية سابقة لأوانها.
- لقد لعب حزب العدالة والتنمية الدور الذي كان مسطرا له وهو:
- مواجهة حركة 20 فبراير والعمل على إجهاضها.
- قمع الحركات الاحتجاجية بجميع الوسائل.
- اتخاذ القرارات الصعبة وغير الشعبية في مجال صندوق المقاصة وصندوق التقاعد والزيادة في بعض المواد الأساسية وخوصصة التعليم، وإخراج قانون للصحافة، وقانون للإضراب على المقاس.
- إصدار قرارات كان صعبا على المخزن اتخاذها خشية عواقبها على السلم الاجتماعي.
إن هذه القرارات الغير الشعبية كانت ضحيتها الطبقة الوسطى التي كانت السند الداعم لحزب العدالة والتنمية ومخزونه الانتخابي.
وهكذا سيكتشف هذا الحزب أنه لم يكن سوى كلينكس بالنسبة للمخزن.
لقد غاب على ذهن بنكيران أن الملكية ليس لها حلفاء ولا أصدقاء.
إنها لا تعرف إلا خدام مطيعين وإن هاجسها الأول هو الحفاظ على وجودها وديمومتها ولذا هي قابلة للتعايش مع أي مكون سياسي وسيكون هذا التعايش دائما مرحلي.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…