يتفنن مدبلجوا المسلسلات اللاتينية والتركية والأمريكية في ممارسة الرقابة والضبط ملتزمين بدفتر تحملات الاستبداد والكبت الشرقيين، والذي ترعاه الإمبراطوريات الإعلامية والخليجية، حيث لم يعد الأمر يقتصر على حذف القبل والمشاهد الساخنة بين مهند ونور فقط، بل تطورت الأمور إلى دبلجة تعابير سلوكية تعكس واقع حال نمط عيش المجتمعات التي تعكسها تلك المسلسلات كتناول الكحول مثلا، حيث يظهر الممثل يصب كأس نبيذ، فيما تتكلف الدبلجة بدورها في تمويه المشهد كأن تقول ممثلة إلى زميلها وقد أفرط في الشرب و صار لا يتحكم في أفعاله: “لقد أكثرت من الشرب العصير يا حبيبي”!!
أوليس هذا احتقارا لذكاء المشاهد العربي؟! بل واستهزاءا منه، حيث يرى بعينيه عكس ما يسمعه بأذنيه.
وفي مثال آخر، نشاهد أحد الشخوص في فيلم أمريكي وهو يحاول التخلص من صديقة لا يرغب في الاستمرار بعلاقتهما فيقرر أن يكذب عليها بأنه مثلي الجنس فيقول: ” I Am gay” فيُكتب أسفل الشاشة: “انأ غريب الأطوار”؟!
أمثلة كثيرة، غاية المسخرة، خصوصا في أفلام العنف حيث يكثر السب والشتم الذي يختصر كله في عبارة: “تبا لك”!!
تتخلل هذه الأعمال، وهي تمر عبر الشاشات العربية ذات الهويات البترولية، إشهارات عن البطاطس والبيتزا والدجاج المقلي والصابون ومشروبات الطاقة وكل ما يمت بصلة إلى الجسم المقيم بين شعر الرأس و شعر أسفل البطن…
هكذا تستثمر هذه القنوات في تحريك المكبوت التاريخي للشعوب التي تستهدفها بهذه الأعمال الدرامية حيث ومن المعقول إذا كانت هذه القنوات لا تتفق مع مضامين هذه الأعمال وما تروج له من علاقات اجتماعية وإنسانية تستند كلها على قيمة العشق الممنوع والعلاقات المحرمة والسرية في الأوساط الليبرالية، فلماذا يتم التسابق لشرائها والتنافس حول توزيعها؟ ثم يطلع عليك الشيخ الخطيب من نفس الهولديينغ الإعلامي لمالكه المعروف! يلقى خطبا نارية ضد نفس المسلسلات التي تفسد الأخلاق الحميدة للمسلمين.. أي فصام أفظع من هذا؟
قد نفهم أن دولا خليجية عديدة استثمرت في الإعلام التلفزيوني ملايير الدولارات، عبر العالم، من أجل حماية نموذجها العشائري الذي تقود به شعوبها بالطريقة التي لا تجعلها تتحرك باتجاه الديموقراطية.. قد نفهم أيضا أن هذه الدول الخليجية استثمرت من أجل أن تسقط أنظمة ليست راضية عنها… قد نفهم كل ذلك. لكن ما لا يفهم هو أنَّ قناتين تابعتين لنفس الشركة الإعلامية: واحدة تقدم مسلسلا من مائة حلقة، وأخرى تقدم خطباء يلعنون ذلك المسلسل. لذلك أظن أن الأحباء قد أكثروا من شرب العصير لتقرير المصير: مصير الخلافة والخرافة!!
من تدوينات عبد السلام بلوط