المصطفى المعتصم

حوار صحي دار في المغرب بين المدافعين عن حرق النفايات والمعارضين لهذا الأمر. نعم ارتفعت سخونة الحوار في بعض الأحيان إلى درجة عالية، وكان هناك نوع من البوليميك لكن في النهاية عكَسَ هذا الحوار نبض الشارع  وإصرار المغاربة على دفع  بلادهم نحو الأحسن. صحيح أن البعض كان جد متحمس ومنهم من كان بعيدا كل البعد عن الموضوعية والعلمية وكان هناك من حاول التوظيف السياسي لنازلة حرق النفايات وكان أيضا من   تحدث في الموضوع وهو لا يعرف عن ماذا يتحدث. ولكن على العموم يمكن أن نهنئ أنفسنا عليه.

تدوير النفايات المطاطية واستعمالها كوقود إضافي نظرا لقيمتها الحرارية  شيء معمول به حتى في أكثر الدول احتراما للبيئة  ككندا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والسويد وغيرها وهذا أمر لم تكذب فيه الوزيرة الحيطي بكل تأكيد ولكن ما يعاب على السيدة الوزيرة ووزارتها افتقدت في المرحلة المناسبة القدرة على التواصل الصحيح مع الرأي العام. وأكيد أن المشرع المغربي قد سن   القوانين التي تنظم حرق المخلفات المطاطية والبلاستيكية كوقود  بما يضمن احترام المغرب لالتزاماته في المحافظة على البيئة ومحاربة التلوث. وأكيد أن مرسوم 2.12.172 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6058 بتاريخ الفاتح شعبان 1433 الموافق 21 يونيو 2012 قد حدد ظروف التخزين هذه النفايات قبل الاستعمال وحدد شروط حرق هذه المخلفات وشروط التعامل مع البقايا الصلبة والرماد المحتوي على العديد من المعادن الثقيلة الخطيرة على الصحة وطريقة تصريف المياه المستعملة والغازات المنبعثة وطريقة مراقبة عملية الحرق إلخ..

لكن، هذا القانون يسجل عليه  أنه جاء متأخرا كثيرا إذ إن المغرب  قد بدأ رسميا في حرق واستعمال هذه المواد المطاطية من طرف معامل الإسمنت في التسعينات من القرن الماضي وربما قبل ذلك.  وأكيد أنه في حالة غياب القانون فإن أضرارا محتملة قد تكون لحقت بالبيئة مما يستلزم وضع تدابير وإجراءات موازية  لتخليص التربة والمياه والشواطئ من نفايات قد يكون أسيئ استعمالها في مرحلة من مراحل التدوير والحرق  قبل صدور القانون 6058.

حينما نتكلم عن العولمة النيوليبرالية يصبح  الخوف من جشع الشركات عبر القارية التي تبحث عن الربح السريع والقليل الكلفة مشروعا خصوصا في ظل انتشار الفساد والرشوة والجشع من    أن تكون هناك أضرار حقيقية قد لحقت بالتربة والماء والنباتات والإنسان والحيوانات. ويصبح فتح التحقيق حول هذه النفايات وطريقة استعمالها واجبا وطنيا.

لست هنا في معرض اتهام أي كان، لكن يجب الحرص على وفاء كل جانب بالتزاماته القانونية: المصدِّرون لهذه النفايات (إيطاليا) والحكومة المغربية والشركات المستعملة لهذه النفايات كوقود ومدى قيام جهاز المراقبة المستمرة بدوره وواجبه على أحسن وجه.   والحرص على انجاز تحقيق شفاف ونزيه يفرضه تواتر الجرائم البيئية في ظل عولمة نيوليبرالية جشعة لم  تتردد أوليغارشياتها من خلال شركاتها عبر القارية في إلحاق أضرار خطيرة بالبيئة في دولها وبحق مواطنيها. فضلا عن  استعمال الدول الصناعية  لنفوذها في دول العالم المتخلف لدفن نفاياتها الكيماوية والنووية مقابل حفنة من الدولارات تتلقاها النخب الفاسدة التي حولت بلدانها إلى مطارح نفايات  خطيرة من أجل حفنة من الدولارات.

نعم ، هناك جرائم وفظاعات ارتكبتها شركات عالمية  ضد البيئة والمواطنين في دول متقدمة ومتحضرة وصارمة في التعاطي مع قضايا البيئة ككندا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا واليابان وبلجيكا الخ. ولكي أضع القارئ في صورة مختصرة لهذه الجرائم سأذكر نموذجين  من هذه الممارسات الإجرامية واحد من فرنسا والآخر في الولايات المتحدة الأمريكية.

في فرنسا: رفعت دعوة قضائية ضد مصنع Michelin  للإطارات  في VOSGES de Golbey في مطلع هذا القرن وهي الدعوة التي تم البث فيها يوم 25 يناير 2010 من طرف محكمة قضايا الأمن الاجتماعي (T.A.S.S) في ديبينال (D’EPINAL) لصالح  عشرة عمال بالتعويض نتيجة إصابتهم بأمراض خطيرة بسبب التلوث بالحرير الصخري (AMIANTE ) وهي مادة خطيرة  ممنوعة دوليا، استعملت في الآلات التي تصنع الإطارات. وكانت فرنسا قد منعت هذه المادة المسرطنة والقاتلة في فاتح يناير 1997. وتم منعها في كل أوروبا ابتداءا من فاتح يناير 2005.  وهناك العشرات من القضايا المرفوعة اليوم ضد هذه الشركة لاستعمالها لمادة خطيرة مسرطنة.

في الولايات المتحدة الأمريكي: شركة Monsanto  العملاقة، المختصة في صناعة الأسمدة والبذور المعدلة جينيا، استعملت مادة polychlorobiphényles   أوPBC  وهي عبارة عن مزيج من البنزين (benzène ) والكلور (chlore ). هذه المادة  تستعمل بشكل كبير في إنتاج الأدوية والبلاستيك والملوِّنات، كما تستعمل كسائل مبرد في المحوِّلات الكهربائية وفي الآلات الهيدروليكية الصناعية كما لها استعمالات أخرى في صناعة المداد والورق…

الـPCB  تنتمي إلى لائحة 12 ملوث كميائي الخطيرين جدا والتي يُطلق عليها:” الملوثات العضوية الدائمة ”  (polluants organiques persistants). وسميت كذلك لأنها تقاوم التفسخ   البيولوجي الطبيعي وتتراكم في الأنسجة الحية على طول السلسلة الغدائية. فبقايا الـPCB  تخزن في الأعضاء والأنسجة الذهنية  للحيوانات والثدييات ولهذا نجدها في جسم الإنسان الذي يستهلكها . ولقد حددت وزارة الصحة الأمريكية ثلاث مصادر رئيسية لتلوث   الإنسان بال PCB:

– التعرض  المباشر لها أثناء العمل؛

– العيش قرب مكان ملوث (مصنع، مصب نفايات، أنهر…)؛

– من خلال السلسلة الغدائية، وخصوصا  استهلاك الأسماك.  ولاحظ الباحثون أن الأمهات المصابات بهذه المادة ينقلنها إلى الأطفال الرضع عبر حليب الرضاعة وهو ما يؤثر سلبا على  نمو جهازهم العصبي.

تم اكتشاف المخاطر المرتبطة باستعمال Pcb من طرف  Monsanto منذ 1937 بعد أن  فقد العديدين حياتهم نتيجة التلوث بهذه المادة. وحتى صدور قرار منع استعمالها في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1977 عملت Monsanto على حماية مبيعاتها من هذه المادة وأخفت سُمِّيتها بل قادت حملت تضليل واسعة النطاق لدى زبنائها كما يبين ذلك التعميم الداخلي الذي أنجزه  في فبراير 1970  N.Y Jonhson  ويقول فيه: “سوف تجدون هنا لائحة من الأسئلة والأجوبة التي قد تطرح عليكم من طرف زبنائنا متعلقة بـ  Aroclor  وPCB عليكم أن تجيبوا شفاهيا ولا تعطوا أبدا أجوبة كتابية… لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بفقدان دولار واحد من الأعمال”. هكذا إذن تختزل هذه الشركة كل فلسفتها: “عدم فقدان دولار واحد”، وتوضح أولوية الدولار على صحة وسلامة المواطن. وحتى عندما منعت الولايات المتحدة الأمريكية تصنيع هذه المادة فوق ترابها فقد استمرت Monsanto  عبر فرعها بـ New Port  في بلاد الغال في إنتاج هذه المادة السامة. ولقد  سارت على منوال Monsanto  العديد من الشركات المحلية وعبر القارية. إنه منطق العولمة الرأسمالية الجشعة.

السؤال هو: إذا كانت مثل هاته الشركات تسمح لنفسها من أجل حفنة من الدولارات بمثل هذه الممارسات في حق مواطنيها وداخل دولها بالرغم من قوة المراقبة ونفوذ المجتمع المدني ووعي المواطنين  فما الذي يمكن أن تفعله إزاء مواطني دول أخرى وبيئتها حيث يستشري الجهل والأمية وعدم وعي المواطنين بالمخاطر المحيطة بهم؟ ماذا ستفعله هذه الشركات حينما تجد  حكاما فاسدين أو نخبا  قابلة للارتشاء أو مسؤولين لن يترددوا في إغماض عيونهم وكتم أصواتهم وتزوير تقاريرهم من أجل رشاوي يتلقونها من طرف هذا الرأسمال الجشع؟  نحن لا نتهم أحدا ولكن نثير التساؤلات ووحده التحقيق النزيه  في هذه الجرائم البيئية إن وجدت  قد ينور الرأي العام ويكشف الحقائق. وحسنا  فعل ملك المغرب بفتح التحقيق في شأن النفايات الإيطالية وحسنا فعلت الحكومة المغربية عندما وأوقفت استيراد هذه النفايات إلى ما بعد نهاية التحقيق وصدور نتائجه. من جانبنا نريده تحقيقا شفافا يتمحور حول نوعية ومصدر هذه النفايات وحول شروط وظروف استعمالها من طرف الشركات التي تحرقها كوقود بديل وتأثير ذلك مباشرة أو بعد حين على التربة والمياه السطحية والجوفية والهواء والحيوان والنبات والإنسان.

التعليقات على النفايات الإيطالية.. البيئة بين أرجل رأسمال جشع ومسؤولين فاسدين مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…