خديجة رياضي

عاد موضوع العنف داخل الجامعة ليطفو إلى سطح النقاش العمومي عقب إقدام مجموعة من الطلبة، قبل أيام، على الاعتداء على شابة عاملة بجامعة مكناس.

ومهما كانت مبررات مرتكبي هذا الاعتداء، فإنه يبقى سلوكا مرفوضا، لكنه يشكل مناسبة لإعادة مساءلة العنف في الجامعة، والبحث عن بعض مسبباته، مع الإقرار سلفا بأنه من الصعب الإحاطة بها كلها:

إن الجامعة كجزء من المجتمع، يطالها ما يطاله من ظواهر ومظاهر، ومنها العنف الذي استشرى في كل الفضاءات بسبب أزمة القيم التي يعرفها مجتمعنا، والتي نتجت عن انهيار المنظومة التعليمية باعتراف الجميع، بمن فيهم الماسكين بالحكم والذين يتحملون مسؤولية هذا الانهيار المدوي للمدرسة العمومية التي كانت في الماضي تكون أطر متعلمة ومثقفة ومتشربة للقيم المتنورة التي تعطي القيمة للإنسان وتحترم الاختلاف وتتعايش مع الفكر المغاير وتحتكم للعقل وتؤمن بالمساواة بين الناس، أصبحت تنتج الأمية والتعصب والتطرف والتزمت والتخلف، كيف لا وأغلب المؤسسات التعليمية لم تعد تتوفر حتى على مكتبة؟

كما أن الحظر العملي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد ما عرفه من حظر فعلي من قبل، وهو ما أضعف الحركة التقدمية داخل الجامعة، إذ كانت تلك الحركة تكمل دور المدرسة العمومية وتعزز تلك القيم المتنورة وسط الطلبة حيث كانت تنشر الفكر الإنساني وتُعَرف بقيم المساواة والتضامن والتسامح وتواجه التطرف من أي جهة كان.

إضعاف الحركة الثقافية التقدمية التي كانت تنشط في دور الشباب والأحياء، وأيضا داخل الجامعة، وضرب الحركة التخييمية والشبابية التي كانت تؤطر الأطفال واليافعين وتربيهم على العقلانية ونسبية الفكر وقيم الحوار والتعايش والاختلاف، وهي الحركة التي حوصرت في دور الشباب في بداية الثمانينات بالمذكرات الوزارية التي سيجت الفعل الشبابي، وشكل المخزن جمعيات الوديان والسهول لتمييع العمل الشبابي وأطلق لها العنان بالإمكانيات والتسهيلات.

تراجع الإعلام التلفزي وابتعاده عن دوره في التثقيف والتهذيب وإغراقه في ما يشجع التفاهة وأيضا العنف والتعصب والتخلف.

هنا يطرح دائما السؤال: من المستفيد من الوضع المتميز بانتشار العنف؟ أكيد ليس الطلبة ولا منظمتهم الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ولا الحركة التقدمية التي كانت  تتوسع وسط الطلبة بشكل أكبر في الماضي حين لم يكن العنف مستشريا في الجامعة، بل أول ما دخل العنف للجامعة كان من طرف الحركة المناهضة لليسار بتشجيع من المخزن لإضعاف هذا الأخير. لهذا فالدوافع هي: استفادة المخزن من الصراعات العنيفة بين الفصائل الطلابية وتوظيفها لإضعاف الأطراف المناضلة، والزج بالجامعة في نفس المستوى الذي أوصلت إليه المدرسة والثانوية من الانحطاط والتردي. كما يستغل الحاكمون أحداث العنف للزج بالمناضلين الطلابيين في السجون بدعوى أنهم هم من يمارسون العنف، بعد طبخ ملفات وتلفيق تهم لهم من طرف أجهزة الشرطة لا علاقة لهم بها، لكن المحاكم تعتمد على تلك المحاضر المزورة دون بحث أو تحقيق محايد ونزيه، ثم تنشر البلاغات الرسمية وغير الرسمية تقول فيها أن الطلبة الذين تم اعتقالهم مجرمون، دون أن يكون لدفاعهم ولذويهم حق الرد والتوضيح.

تعطيل دور الجامعة في تكوين أطر سياسية، ونخبة واعية تلعب دورها في المجتمع وتكون مؤهلة لبناء وطن حر ومتقدم، وقادرة على مواجهة ناهبي خيراته سواء كانوا من الخارج أو من الداخل عن طريق عمل سياسي حقيقي يطرد الفاسدين والمفسدين من الأحزاب وينقذ النقابات من البيروقراطية واللصوص، ويبني  مجتمعا  مدنيا مزدهرا وقويا ويحميه من المرتزقة والبيادق.

أما الحديث عن إيجاد حل حقيقي للظاهرة فلن يستقيم إلا بوجود إرادة حقيقية لذلك، بدل استغلالها لتصفية الحسابات السياسية عن طريقها. ومن بين المداخل أيضا أن يقوم الإعلام بدوره المتجسد أولا في احترام أخلاقيات المهنة الصحافية والإعلامية حين بتطرق للموضوع، لا أن يكون وسيلة تستعمل في الحسابات السياسية للمخزن مع معارضيه، كما يتم بالضبط مع قضية الشابة شيماء ضحية العنف الإجرامي بجامعة مكناس الذي هو مناسبة هذا الكلام اليوم. طبعا لا يمكن إلا التضامن مع شيماء وإدانة ما تعرضت له من عنف، والمطالبة بمعاقبة الفاعلين الحقيقيين المسؤولين على هذا الفعل الجرمي. ولكن من المرفوض أن تستعمل معاناة هذه المواطنة لتوزيع التهم والحكم بالإدانة مسبقا على كل يساري ويسارية وماركسي وماركسية وقاعدي وقاعدية، بينما لم يبدأ حتى التحقيق في القضية بعد، فبالأحرى ان يكون القضاء قد قال كلمته، احتراما لمبدإ قرينة البراءة. فمن اقترف الاعتداء على تلك المواطنة، كيفما كان انتماؤه فهو لا يمثل لا الماركسيين ولا القاعديين ولا اليساريين ولا أحد، هو مشتبه فيه فقط، وحتى عندما سيتبث الفعل في حقه سيصبح مدانا فقط وليس ممثلا لأحد تماما مثل ما لا يمثل المسلمين من يقتل باسم الإسلام، ولا يمثل اليهود من يحتل فلسطين باسم اليهودية. ثم أكيد أن الاستغلال السياسي للواقعة لن يتوقف هنا، فبعد هذه المرحلة من محاولات تشويه من لا يروقون للمخزن والمس بمصداقيتهم، ستاتي مرحلة ستخصص لاستغلال ما جرى لتبرير المزيد من عسكرة الجامعة وتدخل الأجهزة الأمنية بدعوى حمايتها من العنف.

فالحلول التي ستكون فعالة تبدأ بأن يرفع المخزن يده على الجامعة. ويفتح القضاء تحقيقا نزيها وموضوعيا في كل ملفات العنف التي تعرفها الجامعة ومتابعة مرتكبيها أمام محاكم نزيهة تحترم معايير المحاكمة العادلة. بما فيه العنف الذي مارسته أجهزة السلطة. وبالمناسبة فبينما الجميع يتابع قضية شيماء وما تعرضت له من عنف، تعرف جامعة القاضي عياض بمراكش تدخلا بوليسيا وحشيا بسبب احتجاج الطلبة على عدم صرف المحنة. وعوض الحوار تدخلت السلطة بالقوة في الوقت الذي تندد فيه بالعنف داخل الجامعة، فأي تناقض هذا؟

ثم على الجميع أن يهتم بمعضلة التعليم التي هي السبيل الوحيد لإنقاد المجتمع من كل الآفات التي يتخبط فيها. وهذا الموضوع يتطلب إرادة سياسية حقيقية. وهي لحد الآن غير موجودة وعكسها هو الموجود والواضح والملموس، أي المزيد من إهمال التعليم والإجهاز على المدرسة العمومية.

كما يتطلب الأمر رفع اليد عن الحركة الحقوقية التي تلعب دورها في مناهضة العنف في المجتمع ككل. وجعل حد للقمع الممنهج الذي تتعرض له برامجها التثقيفية وجامعاتها التكوينية. بل يمكن القول أن المقصود من كل القمع الذي نزل على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان هو بالضبط توقيف ذلك الزخم الذي خلقته بخطتها المتميزة في مجال التكوين الحقوقي وتشكيل الأندية الحقوقية في المؤسسات التعليمية وتأطير الشباب في المخيمات، لأن هذا الجانب بالضبط هو الذي حوصر بسبب القمع أما التقارير والمذكرات والمراسلات والإصدارات والدراسات والندوات فقد بقيت وإن كان بزخم أقل. وبالمناسبة تتعرض أحيانا أنشطة حقوق الإنسان للنسف من هذه المجموعات العنيفة داخل الجامعة، مما يجعل السلطة تلتقي معها في نفس الهدف، أي حصار العمل الحقوقي. لهذا فعلى الدولة أن تكف عن دموع التماسيح على ضحايا العنف في الجامعة وفي غيرها، فهي لا تحاربه بل تحارب من يحاربه.

 

التعليقات على العنف في الجامعة.. على ضوء الاعتداء على الشابة شيماء مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…