منير بن صالح
هل كنا نحتاج إلى تأكيد الانتخابات اللبنانية من أجل التأكيد أن الحراك في منطقتنا لا يوازيه تحقيق اختراق انتخابي؟ أليس من حقنا أن نحلم بأن يكون حراكنا ممثلا في المؤسسات؟ هل باسم “خصوصيتنا” علينا أن نستكين “لحكمة” النخب القائمة؟
عاشت مدينة بيروت حراكا نوعيا امتد لأشهر على إثر أزمة حادة في تدبير النفايات المنزلية. ابتدأ الحراك عفويا كتعبير عن سخط المواطنين على البلدية لتدبيرها السيئ في جمع النفايات وسرعان ما انتظم الحراك في تنسيقيات انضم اليها مثقفون وفنانون وشباب وصاغوا شعارا سياسيا في وجه النخبة القائمة: “طلعت ريحتكم” كتكثيف لشعارات أخرى ضد الفساد واستبداد نخب وعائلات بعينها. كان منطقيا (على الأقل لمن يؤمنون بالنضال السلمي الديمقراطي المؤسساتي) أن يتم تقديم البدائل من داخل الحراك. ففي انتخابات بلدية اجريت هذا الأحد ببيروت تنافست لائحة “بيروت مدينتي”، يترأسها المهندس ابراهيم منيمنة وتضم مثقفين ونشطاء وفنانين أبرزهم المخرجة والممثلة نادين لبكي، ضد لائحة “البيارتة” ويترأسها جمال عيتاني والتي تدعمها الأحزاب الكبرى بلبنان. انتهت المنازلة الانتخابية بين “لائحة الحراك” و”لائحة النخب القائمة” لصالح هاته الأخيرة، وكانت نسبة المشاركة في حدود 20 بالمائة حيث لم يشفع إبداع لائحة “بيروت مدينتي” لأساليب جديدة في الخطاب والممارسة في الحصول على اختراق انتخابي.
المثال اللبناني يذكرنا حتما بنتائج الانتخابات في مصر و تونس والمغرب والعراق… حيث المشترك هو أن القوى التي دعمت الحراك أو ساهمت فيه تنهزم انتخابيا أمام القوى الأخرى الممثلة “للنخب القائمة” والتي في غالبيتها كانت قوى ثورة مضادة وكانت ضد الحراك.
في مقابل ذلك، نجد أن الحراك في دول أوروبية أخرى كاليونان واسبانيا والبرتغال وايرلندا وايطاليا… و بنسب متفاوتة، قد بوأته صناديق الاقتراع نجاحات هائلة تترجم قوة وحجم الدعم الشعبي للحراك في تلك البلدان.
عند المقارنة بين النموذجين تتجلى بوضوح ملاحظات جوهرية بخصوص المنطقة العربية:
- تدني نسبة المشاركة: بفعل ثقافة راسخة تقول بأن “التغيير لا يأتي عبر صناديق الاقتراع” أو بأن “على العموم ستتمكن النخب القائمة، سواء بالتزوير أو بالأغلبية، من الحصول على الأغلبية”، لا يشارك المواطنون والمواطنات في الانتخابات. في مقابل ذلك تجيش “النخب القائمة” زبائنها الانتخابيين، وإن كانوا قليلين عدديا، ليحصدوا المقاعد.
- تشتت قوى الحراك المجتمعي: يبقى مشكل تشرذم قوى التقدم و تشتتها، لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، سببا رئيسيا في فشلها انتخابيا، كما تستغل “النخب القائمة” ذلك لإشاعة أن قوى الحراك “غير ناضجة” سياسيا. وتبقى مشكلة الزعامات من بين أهم معيقات العمل الجماعي لقوى الحراك المجتمعي.
- تحكم “النخب القائمة” في الوسائط: تبقى جل البلدان العربية دون مستوى الحد الأدنى الديمقراطي المتعارف عليه دوليا، وهكذا تتحكم “النخب القائمة” في الوسائط التقليدية (القبيلة، وسائل الإعلام السمعية البصرية، وسائل الانتاج…) واستطاعت أن تبسط تحكمها على الوسائط الجديدة من بينها الانترنت وموسيقى الاندرغروند…
- ضبابية الرؤيا وضعف التواصل بخصوص المشروع: عكس ما يقع شمالا، تعاني القوى التقدمية الجديدة عندنا من أزمة عميقة بخصوص تواصلها مع الجماهير بخصوص المشروع الذي تطمح إليه، هذا إن كانت فعلا تمتلك مشروعا ورؤيا متكاملة. في غالب الأحيان لا تمتلك، للأسف الشديد، قوى التغيير سوى ملكة ممارسة النقد.
- الخوف من مصير دول الجوار: تسوق “النخب القائمة” أن قوى الحراك المجتمعي غير ناضجة وقد تقود بلدانها إلى الفوضى كما وقع في اليمن وسوريا وليبيا… ويبقى المواطن البسيط حبيس اختيار صعب: الطغاة أو الغلاة. و كما نقول نحن المغاربة “لهلا يخيرنا فضرار”.
أكيد أن التجربة لازالت تكتب وأن التاريخ لم يطوَ بعد. و أكيد أنه علينا التعلم كثيرا من دول جنوبنا كالسنغال وبوركينا وغيرها، بدل اعوجاج أعناقنا بالنظر دائما إلى فوق!!
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…