عبد السلام الصروخ
تحكى النكتة أن رجلا مصابا بحالة بارانويا متقدمة من حيث شعوره بالعظمة أحيانا، وبالاضطهاد الفظيع من خلال ما يتهيأ له أنه مجرد حبة قمح يتعقبها ديك شرس لالتهامها.
معاناة الرجل استفحلت، وصار الديك المفترس يطارده في يقظته وفي سباته، فالتجأ بواسطة الأهل إلى طبيب نفساني، رافقه في رحلة علاج طويلة، فلما بدأت تباشير الشفاء تبدو على الرجل المريض، اقتنع الطبيب والأهل بان نهاية الكابوس صارت وشيكة، فأقاموا حفلا على شرف المريض وأصدقائه وباقي الأهل والأحباب.
أعطيت الكلمة للطبيب وهو يخطب في الحاضرين، مزهوا بالنتائج الطبية التي حققها وبرحلة العلاج الطويلة، وصعوبة المقاربة، وبالمشاكل التي اعترضته في ذلك. صفق الجميع، فأعطيت الكلمة إلى الرجل المريض/ المعافى، فشكر الطبيب والأهل والأصدقاء الذين ساندوه وتضامنوا معه من خلال محنته مع المرض، ثم التفت إلى الطبيب وسأله :طيب.. ها أنا قد شفيت تماما ولم اعد أعتقد أنني حبة قمح يرغب في ازدرادها ديك جائع، فهل الديك الذي يطاردني لا زال هو كذلك يعتقد أنني حبة قمح ولست فلان الفلاني؟
سياق هذه الحكاية أو النكتة هو تموضع القيادات الإسلامية الحركية منها والحكومية اتجاه ما يحدث من أعمال إرهابية موجهة إلى غير المسلمين “الغرب الكافر” والديك المفترس الذي وإن شفينا من صورتنا المتضائلة عبر التاريخ وأمام تطوره الهائل، فإننا لازلنا نعتقد أن حالتنا التاريخية ماهي إلا انعكاس ميتامورفوزي (métamorphopsie) لديك عملاق يرغب في التهام هويتنا المتضائلة والمتصلبة في نفس الآن.
سياق الحكاية أو النكتة أيضا، هو كيفية انخرط ما يسمى بعلماء المسلمين في النقاش العمومي خصوصا على الهوائيات الفضائية ومن خلال كل مناسبة إرهابية، حيث تصُبّ خلاصات مقارباتهم للأعمال الإرهابية دائما في ما يلي: ليس نحن من نقوم بهذه الأفعال، بل إنها من فعل فاعل، والإسلام بعقيدته السمحاء بعيد كل البعد عن هذه الأعمال التي ترتكبها عصابات مسخرة لتشويه صورة الإسلام ليس إلا.
الأمثلة كثيرة عن هذا السلوك وهذه التمثلات ذات البعد النفساني المرضي. وإذا نحن أردنا قياس درجة الوعي الذاتي بأننا نحمل عقيدة “الرجل/حبة القمح والديك المطارد” فإننا في صيرورة العلاج لم نصل بعد إلى مستوى الاقتناع بأننا بشر في درجة معينة من سلم تقدم البشرية ولسنا حبوب قمح، وأن المعالج لحالتنا الذي هو “الوعي النقدي” لازال بعيدا عن “حفلة الشفاء” التي لم تكتمل فرحتها بسبب سؤال “المؤامرة” و”الجحيم هو الآخر” المتمثل في: هل الديك (أي الغرب) ما زال يعتقد أنني (أي الهوية الإسلامية القاتلة بتعبير أمين معلوف) حبة قمح، ويسعى لالتهامي ولقضاء عليَّ؟
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…