عبد العزيز سلامي
النموذج السياسي الديمقراطي الذي تتداوله مجموعة من الدول، كنظام حكم تناوبي على السلطة، أظهر مجموعة من العيوب التي باتت تؤجل سقوطه كنظام لم يعد صالحا في أزمنة اقتصادية رأسمالية متوحشة. فهل الخلل في الديمقراطية المتداولة أم في النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يعيش جنبا إلى جنب الديمقراطية؟
تعتقد عامة الشعوب بينما تدلي بصوتها أنها قررت في مصير الحكم و طبيعته و غاياته، لكن بمجرد أن يستبد المنتخب بالسلطة حتى تختفي ملامح صوت هذا الشعب، و تنحدر قوته و حدته و مطالبه، لأن النظام الديمقراطي إجماعي و لو أنه انفرادي يقوم على عدد أصوات الناخبين. هذا من جهة، و من جهة ثانية، أن المتغيرات السياسية لا تعود بعد التصويت تستمد شرعيتها من عدد الأصوات، بل من السلطة الشرعية التي اكتسبتها بدءا من المصوت و بعدها من سلطة المنصب، لهذا فالرئيس أو الحاكم في نظام ديمقراطي، لا يصير ملبيا لمطالب شخصية، بل يصير عاملا في إطار نموذج سياسي مرحلي، خاضع للمتغيرات السياسية الطارئة، و بالتالي تنمحي تلك الغايات الكبرى من تولي منصب الرئيس أو الحاكم. إن هذه المتغيرات السياسية اقتصادية بدرجة كبيرة، فالمحدد الاقتصادي، ُيـسير سلطة هذا الحاكم أو الرئيس، و لأن الاقتصاد في هذا العصر، صارت تتحكم فيه قوى، أطلق عليها الاقتصاد الرقمي، فالثروة للبلد الواحد اليوم لم تعد مرئية و يمكن حسابها و تقدير تكاليف دولة في زمن محدد، لأن رأسمال الدولة سرعان ما يتغير في كل يوم، و أفضل نموذج لمقارنة ما حدث و ما يحدث هو اقتصاد اليونان، الذي انهار مرة واحدة، و لو أنه في صلب الاتحاد الأوربي. ففي هذه الحالة لم يعد حتى النظام السياسي قادرا على فك هذا الاختلال الاقتصادي الذي يحدد مصير الشعوب بشكل مباشر، لتتحول الديمقراطية بالتالي إلى شبح يفزع. المشكل لا يتمثل في هذا النظام الديمقراطي، بل في النظام الاقتصادي الذي يتصدى للديمقراطية، و يجهض مشاريع برامج سياسية، و هذه هي المفارقة الوحيدة التي تجعل الديمقراطية متعثرة، فالاقتصادي، يصنع السياسي الديمقراطي، لتلبية أغراضه الاقتصادية، و هذا العصر يشهد على سيرورة الرأسمالية، كيف تصنع سياساتها التي تسلب من السياسي دوره التاريخي، المخول له، في أن يمثل أغلبية ليس في يدها سلطة القرار، و خولت هذا الأمر لحاكم. المجتمعات المتأثرة بشكل كبير بالرأسمالية المتوحشة، تجد نفسها تعارض الديمقراطية في اسم الرأسمالية، و هي بذلك تعتقد أن الاقتصادي هو ذاته الديمقراطي، إنه فقط استبداد الرأسمالية الذي بدأ يختزل العلاقات البشرية في أرقام مُستهلكة أو غير مُستهلكة، و ليس كما كان ينظر لهذه المجتمعات : تقليدية أو حديثة. و لتوضيح الأمر أكثر، ففرنسا اليوم لم تعد قادرة على استيعاب رؤوس الأموال الأجنبية التي باتت تتحكم في الاقتصاد من الداخل، من خلال بيع الشركات العمومية للرأسمال و ليس لأشخاص إن كانوا صينيين او أمريكيين، و قد شمل هذا التدخل حتى التراث.
إنه امتحان جديد للديمقراطية أمام الاقتصاد الرقمي بدون هوية، و المنتظر من السياسي اليوم، أن يخلق علاقة جديدة بالاقتصاد، عوض تلك العلاقة التقليدية، التي باتت تسرق جهد العامل، و تؤدي به إلى التعبير عن تدمره من نظام سياسي بقدر ما يخدم الرأسمالية، يُفقر و يشتت، و يدفع إلى التفكير في نموذج جديد للديمقراطية، التي يمكنها أن تنحوا طريقا يجعل الاقتصاد في خدمة العامل، لا أن يكون ضده، أو خادما لمتغيراته الرقمية التي لا حدود لها.
وزارة الاستثمار تكشف عن منحة خاصة للمشاريع من أجل تشجيع توظيف النساء
أكدت الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العموم…