محمد بشكار
لِجَسدِ التاريخ الإنساني شِقَّان، تماماً كجسد بني آدم، شِقٌّ عُلويٌّ تصْدر منه الأفكار العظيمة و يُكتب بماء الذهب عِوَضَ المداد، و آخرَ سفليٌّ أغلب فضائحه تكون جنسيةً نكتبه بالماء الدافق منكَ و منِّي عبْر الصُّلب و الترائب، و رغم أننا في المغرب ما زلنا غير قادرين على مُجاراة الشعوب المتقدمة في تنزيل الأفكار العظيمة سلوكا عقلانيا يطبع كل علاقاتنا اليومية في شتَّى مناحي الحياة، إلا أننا نستطيع تجاوُز العالم في صناعة الفضيحة و جعْلها تسْتأْثر بألْبَاب الناس بِضَخِّها كالماء الشَّرُوب عبر بعض قنوات الصرف الإعلامية غير الصحية، تحقيقاً للأرباح في مبيعات الصحف و لأعلى مشاهدة لنشرات الأخبار عِلماً أن الخبر لا يتجاوز بفضيحته السروال..!
لستُ معنيا بعقلية المؤامرة و دسائسها التي تُجرِّعنا جميعا السُّم في الدسم، و لكن أليس غريبا بعد انفجار قضية توفيق بوعشرين، أن يصبح كل تفكير الناس صادراً من تحتهم، لكأنَّ العقل انقلب رأساً على عقبٍ، الكل يتحدث عن الجنس بأفْحش كلماته التي ابتكرتها لغتنا الدارجة الشعبية، الصغير و الكبير، الإعلامي و المثقف و رجل القانون، كل الشرائح الإجتماعية و حتى اللحمية التي تُشوى في الأسواق و تُزكمُ بدخانها الأنوف، أصبح تفكيرها سُفليّاً و لا أحد ينادي بالرُّجوع إلى الله..!
أيْنَنا من حضارة الجنس كما أضاء أسرارها فكرياً الفيلسوف «ميشيل فوكو» واقتفى حفريّاتِها في تاريخ الأوروبيين، لينتقلوا اليوم بهذه الغريزة البشرية من دركات القمْع التي تُحوِّل الأنفس لقنابل موقوتة قد تنفجر بسلوكات حيوانية في أي لحظة، إلى درجات الوعي بضرورة التعبير الصريح لنداءات الجنس كأحَد الواجبات التي تستدعي تعامُلا منطقيا و مُتحرِّرا؟
أيْننا من التحرش الذي كان غزلا تتمنَّى معه كل امرأة أنْ تكونَ هي المُتحرَّش بها و هي تسمع للشاعر العاشق عمر بن أبي ربيعة مخاطبا هنداً: (ولا قُـرْبُ نَعَـمْ إنْ دَنَـتْ لَكَ نَافِـعُ، وَلا نَأْيـُـها يُسـَلِّي وَلا أنْـتَ تَصْـبِرُ)، و هل ثمة امرأة تكْرهُ إلا إذا انعدمتْ إحساساً، أن يتحرَّش بجمالها صاحب ديوان “طفولة نهد” الشاعر نزار قباني قائلا و هو يمدُّ أصابع كلماته مُغتصباً أنوثتها: (قدْ كان جسدُك مليئاً باحْتمالات المطر.. وكان ميزانُ الزلازل تحت سُرَّتك المستديرة كفم طفل.. يتنبَّأ باهتزاز الأرض.. ويعطي علامات يوم القيامه..)؟
متى نستطيع التعبير عن حاجاتنا الطبيعية علانية دون نُشوزٍ عن الطبيعة فيُصبح الذَّكر مِنَّا أو الأنثى الذي يمشي على اثنتين في وضح النهار يقفز بعيدا عن الأنظار على أربعٍ ذئباً، وبَدَلَ أن تتعالى الأصوات بالتعبير الواضح و التفكير الحقيقي في أحد المطالب الجسدية التي تحتاج إشباعاً، نسمع مع النَّهْشِ صوت العواء، هنا يبدو الخللُ بشِعاً في تربيتنا الجنسية، و بالنَّظر للتَّخلُّف الذي نعرفه في أجهزة تناسلنا، يجدُر بوزارة التعليم أن تُجَيِّشَ أُطراً تتكفَّل بهذا المضمار قبل أن تنْقلِبَ البرْدَعة على الحمار، لتلقين الأجيال دروساً سريعة في التربية الجنسية حتى لا تكبر العُقد في الأدمغة بأورامها تصيب المجتمع سرطانا..!
أعود للقول كَفَانا تفكيرا من أسفلٍ و اللعب بعقول بعض الناس التي على سطحيتها أصبحتْ أشبه بسطوح لا تصلح إلا لنشر غسيل مسلسلات فضائحكم الجنسية الممتد حبالا، فالجميع يعلم أن جرائم التَّحرش التي يجب أن يضعها القانون نُصْبَ مساءلته و تضطهدنا جميعا هي التي تتحرَّش بمستقبل أبنائنا الضائعين تعليما و شغلا و صحةً و صار ينتظرهم غداً عديم الشرف و الكرامة، ويعلم أن جرائم الاغتصاب الحقيقية هي التي تفتضُّ البكارة في قُفة معيشته بالغلاء الفاحش، فما عادتْ للمواطن القُدرة على الشراء فمن أين له يا عيني القُدرة على الجنس حين يخلد مقهورا و قد هزمه الفقر إلى سرير المساء..!
أيُّها النَّافِخون كِيرَ أو (رابوز) الفضائح تُعمي العيون بذرَّات رمادها، يا بائعو أعراضِ الناس في مزاداتِ الجنس العلني، حرِّرونا في أفكارنا أمَّا السراويل فزمام أحزمتها بيدنا..!
(افتتاحية ملحق”العلم الثقافي” لعدد الخميس 15 مارس 2018)