شريف السليماني
لا شك أن هناك أمورا كثيرة تحتاج إلى إصلاح في المغرب، كقطاع التعليم والصحة والتشغيل والأمن وغيرها من القطاعات الحيوية التي باتت مشاكلها تؤرق المواطنين. بطء الإصلاح في هذه القطاعات قد يتفهمه المواطن إذا لمس الرغبة وصدق النية لدى المسؤولين. فإصلاح قطاع التعليم وقطاع الصحة والخفض من معدل البطالة مثلا، يحتاج برامج وخططا كما يحتاج موارد بشرية ومالية قد لا تتوفر للدولة في الوقت الراهن، مما يعني أن الإصلاح في هذه القطاعات لا بد أن يكون تدريجيا.
وإذا كان الإصلاح في هذه القطاعات يحتاج وقتا وصبرا لارتباطه بالموارد المالية والبشرية، فهناك قطاعات أخرى بالمقابل لا يحتاج الإصلاح فيها إلا الحزم في تطبيق القانون من قبل المسؤولين ويقظة الضمير من قبل الموظفين وأعني بالخصوص قطاع الإدارة العمومية الذي لا تخفى مشاكله وتردّي خدماته على أحد.
خلال عطلتي الصيفية التي عدت منها يوم الإثنين الماضي بعدما قضيت خمسة أسابيع في المغرب، احتجت إلى بعض الوثائق الإدارية ومن بينها: شهادة القرابة بيني وبين ابني وقد ظننت لأول وهلة أن كون ابني مسجلا في كناش الحالة المدنية كاف لإثبات القرابة وأن نسخة من شهادة الولادة (عقد الازدياد) كافية لقضاء الغرض، لكنني أخطأت الظن.
لما أخبرت الموظف في المقاطعة برغبتي في الحصول على شهادة القرابة، أخذ قلما وبدأ يخط الوثائق التي علي إحضارها وكان عددها لا يقل عن الخمس أو الست! مما جعلني أتفاجأ وأسأله: لماذا كل هذه الوثائق والحالة المدنية وبطاقتا التعريف بين يديك؟ قال لي: إذا نقصت وثيقة واحدة من هذه الوثائق فلن تحصل على شهادة القرابة، قلت له: لكن ياسيدي، لقد عدت للتو من المقاطعة الفلانية وكنت قد سألت الموظف المسؤول عن الملف هناك، فلم يطلب مني ولا وثيقة واحدة من هذه الوثائق التي طلبتها أنت مني وكان سيمنحني شهادة القرابة بناء على المعلومات المسجلة في كناش الحالة المدنية فقط. لكن لسوء حظي، تبين أن عنوان سكني ليس تابعا لتلك المقاطعة وإنما لهذه لذلك أنا واقف أمامك الآن. ثم قلت له: ما يدريني أن كل هذه الوثائق التي اشترطتها علي ضرورية بالفعل؟ وإذا كانت ضرورية، فلماذا لم يطلبها مني الموظف في المقاطعة الأخرى؟ ثم أضفت: هل لديك شيء مكتوب أستطيع من خلاله أن أتأكد فعلا بأن كل هذه الوثائق ضرورية وقانونية؟ أجابني: هكذا نتعامل نحن، ليس لدينا شيء مكتوب وإنما نعرف هذا من خلال التجربة والممارسة.. عندما تحضر الوثائق التي كتبت لك، اسأل عني. ثم طأطأ رأسه واستمر في عمله.
وأنا أناقش الموظف، كانت نبرة صوتي مرتفعة بعض الشيء بسبب ما انتابني من الغضب الناتج عن عدم اقتناعي بقانونية ما طلبه مني من وثائق وكنت أسأل نفسي: هل هذه الوثائق ضرورية فعلا؟ أم أن الموظف ( بغى في الخدمة)؟ أم هو ضغط يمارسه علي من أجل إعطاء رشوة؟.. غادرت المقاطعة بأسئلتي وبدأت للتو في إنجاز الوثائق وثيقة تلو الأخرى.
بعد يومين كاملين، تمكنت من جمع كل الوثائق المطلوبة ثم قصدت الموظف من جديد. في الوقت الذي كان يراجع فيه الوثائق وقبيل أن يضع الأختام على شهادة القرابة ليسلمها لي، دار بيني وبينه حديث، قلت له من خلال هذا الحديث: سيدي فلان، أرجو أن تتفهم ردة فعلي، ثم اضفت: لقد قطعت آلاف الكيلومترات من أجل قضاء العطلة بين الأهل والأحباب وأريد أن أستثمر كل لحظة من أيام عطلتي المعدودات بين أظهرهم، فإذا بي أقضي يومين كاملين من عطلتي ذهابا وإيابا وانتظارا ما بين المقاطعة والمقدّم والمصوّر والكاتب العمومي (الذي ترددت على مكتبه ما لا يقل عن خمس مرات خلال هذين اليومين!).
بعد انتهائي من حديثي الذي حاولت من خلاله تبرير ردة فعلي، شرع الموظف أيضا في تبرير تصرفه واشتراطه علي إحضار تلك الوثائق كلها، فإذا به يضع أمامي ملفا مليئا بالأوراق مكتوبا عليه:”طلب الحصول على شهادة القرابة”، قلت له: ما هذا الملف؟ أجابني: اسمع السي السليماني،أنا في الحقيقة لست مسؤولا على منح شهادة القرابة وليس من اختصاصي البث في مثل هذه الطلبات.. أنا فقط تطوعت وأردت مساعدتك كي لا تنتظر شهرا كاملا حتى يعود الموظف المسؤول عن هذا الملف من عطلته! ثم أضاف: ولأنني لست صاحب الملف، فلا أعرف شروط الحصول على شهادة القرابة لذلك رجعت إلى الأرشيف ووجدت هذا الطلب الموضوع أمامك فقمت بالقياس عليه وطلبت منك إحضار كل الوثائق التي وجدتها ضمن هذا الملف!.
وضع الأختام في النهاية على شهادة القرابة وسلمني إياها فطفقت أحقق فيها النظر وأمعّنه إلى أن كدت أحضنها أو أقبلها وكأنها شهادة باكالوريا وليست شهادة قرابة!.
قد يكون الموظف تفهم غضبي وقد أكون أنا أيضا تفهمت تصرفه، لكن الواقع أنني فقدت يومين غاليين من عطلتي عانيت خلالهما كثيرا من الضغط والقلق، إذ كنت طيلة اليومين على أعصابي والواقع أيضا أن الموظفين يعانون من عدم وضوح المساطر القانونية المتعلقة بتسليم الوثائق مما يجعل الكثير منهم يتخبّطون وربما يجتهدون من تلقاء أنفسهم فيشقّون على المواطنين.
انطلاقا من هذه التجربة التي مررت بها والتي لا شك أن الكثير من المغاربة مروا بمثلها أو أقسى منها ولا يزالون، أطرح الأسئلة التالية؟
-هل من الضروري أن يفقد المواطن يومين كاملين من وقته من أجل وثيقة إدارية بهذه البساطة؟
– لماذا لا تطبع الوزارات الوصية منشورات رسمية توضح من خلالها الشروط اللازمة للحصول على كل وثيقة ثم توزع هذه المنشورات على الإدارات المعنية ليستريح الموظف والمواطن على حد سواء ولتتوحد المساطر عبر التراب الوطني؟
-لماذا يجب أن تتعطل مصالح المواطنين إذا غاب أحد الموظفين وفي الإدارة عشرات غيره؟ أليس فيهم جميعا من يخلفه ويقوم بمهامه على أحسن وجه؟
-لماذا لا تتوفر إداراتنا العمومية على آلة ناسخة (فوطوكوبي)؟ كم من الوقت والجهد سيوفر ذلك للمواطنين الذي يضطرون للخروج من الإدارة ثم العودة إليها من أجل نسخ وثائقهم؟
-هل يمر أغنياء البلد وأعيانها بمثل هذه التجارب أيضا؟ (واش كيتسخسخوا بحالنا؟) أم أن أغراضهم تقضى بطرق أخرى، مثل أن تذهب الإدارة إليهم بموظفيها وأختامها بدل أن يذهبوا هم إليها؟
في الأخير أقول: رغم واقعية التجربة التي ذكرتها، فليس المقصود من هذه المقالة مدينة ولا إدارة بعينها وليس المقصود أيضا موظفا بعينه وإنما المقصود تسليط الضوء على بعض أمراض إدارتنا العمومية لعلنا نساهم في إصلاحها.
الرميد يعارض تعديلات مدونة الأسرة: “إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني فإنه ليس من الحكمة اعتمادها”
مصطفى الرميد* من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمثانة مؤسسات ب…