قضية معتقلي واحتجاحات الريف.. قراءة أخرى في الأحكام

مصطفى الفن
أصدرت المحكمة الابتدائية بالحسيمة اليوم أحكامها ضد 25 شابا اعتقلوا على خلفية الاحتجاحات التي شهدتها منطقة الريف.

وإذا كان البعض اعتبر هذه السنوات من السجن التي وزعتها المحكمة على هؤلاء الشباب قاسية وثقيلة، فأنا شخصيا لم أنظر إلى هذه الأحكام من زاوية الثقل أو الخفة لأن المتابعين في هذا الملف ليسوا كتلة واحدة.

نعم أنا مع الاحتجاج السلمي دفاعا عن العيش الكريم والكرامة الآدمية والحرية وما جاورها من مفاهيم.

وأنا أيضا مع شباب ااريف في معركتهم النضالية من أجل تحقيق مطالبهم الاجتماعية البسيطة والعادلة.

أكثر من هذا، أنا لا أرى مثلا توقيف إمام المسجد أثناء خطبة الجمعة من طرف ناصر الزفزافي عملا إجراميا وجنائيا يستحق الزج به في السجن كما لو أنه إرهابي.

لا.

ولازلت أقول إن ناصر ناشط سلمي إلى أن يتبث العكس.

وفي شتى الأحوال، لا تعدو أن تكون واقعة توقيف خطيب الجمعة أثناء إلقاء الخطبة مجرد جنحة كان على من بيدهم أمر تكييف التهم تفهمها وتفعيل سلطة الملاءمة في مثل هذا السياق الساخن لنزع فتيل التوتر.

وليس هذا فحسب، بل أنا أستنكر أي عنف أو تجاوزات أمنية تعرضت لها الوقفات الاحتجاجية السلمية التي نظمها شباب الريف.

ولا بد أيضا أدين أي مزاعم بالتعذيب قد يكون تعرض إليه المعتقلون من شباب الريف أثناء عملية الاعتقال أو فيما بعد وفق ما رواه بعض المحامين الذين يترافعون في هذه الملفات.

وعلى الدولة أن تكون صارمة في تفعيل ترسانتها القانونية لمحاكمة أي رجل أمن تورط في تعذيب معتقل أو محتج خاصة بعد أن أعطى الملك محمد السادس شخصيا تعليماته في هذه القضية.

لكن، لنكن صرحاء.

ولا معنى للصراحة ما لم ننتصر لمقتضيات دولة المؤسسات، التي تفرض أن يكون القانون فوق الجميع.

فما معنى، مثلا، أن نتسامح مع شاب “محتج” أحرق سيارة أمن أو هاجم مركزا أمنيا أو أرسل رجال أمن، في حالات صحية حرجة، إلى المستشفى وأقسام الإنعاش والمستعجلات؟

العنف غير مقبول مهما كانت المبررات.

بل إن التسامح مع العنف ومع مثل هذه الأعمال ذات الطابع الإجرامي التي تستهدف رجال الأمن ورموز الدولة هو انعطافة خطيرة نحو المجهول وسقوط مدو لهيبة الدولة نفسها.

نحن في المغرب ولسنا في دولة فاشلة وضعيفة غير قادرة على حماية أمنها وأمن مواطنيها جميعا.

ماذا أقصد القول من كل هذا؟

أقصد القول أني أنا شخصيا غير متفق مع تلك النداءات، التي يدعو أصحابها ولو بحسن نية إلى الإفراج العشوائي على “جميع” معتقلي الريف وبدون استثناء.

لا أعتقد أن مثل هذه النداءات هي عين العقل.

عين العقل في نظري هو أن تكون هناك تسوية سياسية لهذا الملف لكن مع ضرورة تصنيف المعتقلين بناء على طبيعة التهم المنسوبة إلى كل واحد منهم.

وإذا ثبت أن بعض المعتقلين أو كلهم أبرياء من أعمال العنف ضد رجال الأمن فلا بأس أن نطالب بالإفراج على الجميع.

أما الإفراج العشوائي هكذا وعلى جميع المعتقلين وبدون استثناء وبدون قيد أو شرط، ونحن نرى عناصر شرطة، لهم أطفال وعائلات، ممددين على أسرة المستعجلات بين الحياة والموت، فهذا هو العبث المؤدي إلى مزيد من العنف.

نعم، وحدها الدولة التي تملك حق “العنف المشروع”. وينبغي أن ندين، وبقوة وبكل اللغات، هذا العنف إذا ما خرج عن هذه المشروعية المسيجة بفصول الدستور لكن بالطرق السلمية وليس بمهاجمة رجال الأمن ورشق سياراتهم بالحجارة وإتلاف معداتهم وممتلكاتهم.

وهذا ما رأيناه في أشرطة فيديو موثقة بالصوت والصور اللهم إلا إذا كانت هذه الأشرطة مفبركة من طرف أجهزة الأمن. وهذا لم يقل به أحد إلى حد الآن.

قضية أخرى تقتضيها أيضا عين العقل.

نعم استطاع محتجو الريف أن يوصلوا مطالبهم إلى كل المسؤولين المغاربة، ابتداء من ملك البلاد إلى أصغر موظف في هرم الدولة.

بل إن قضية الريف أصبحت لها تداعيات تجاوزت حدود الوطن لتصل إلى مختلف العواصم العالمية والهيئات الدولية.

فما المطلوب الآن بعد كل هذا؟

لا أعتقد أنه من الحكمة بمكان أن يظل الشباب في الشارع ما لم يتم الإفراج عن جميع المعتقلين وما لم تتحقق مطالبهم على الأرض الآن وفورا، وما لم ترحل هذه الحكومة التي اختاروا لها وصف “العصابة”.

فهذا في اعتقادي لن يزيد الأجواء إلا توترا واحتقانا قد يؤدي الجميع تكلفته الباهظة.

المطلوب اليوم هو أن نعطي الفرصة للتقارب والحوار وتصفية الأجواء بضمانات رسمية فعلية تقود، من جهة أولى، إلى إمكانية تسوية سياسية لملف المعتقلين، ومن جهة ثانية، إلى تسهيل مأمورية الدولة في إنجاز مشاريعها بالمنطقة في أقرب وقت.

صحيح أن هذه المعادلة صعبة لكن عندما تحضر إرادة الإصلاح بين طرفين متنازعين، أكيد ستتدخل إرادة السماء لتوفق بينهما.

التعليقات على قراءة أخرى في الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…