ماوقع، أمس الأحد، عقب مقابلة الجيش الملكي والمغرب الفاسي بمركب مولاي عبد الله بالرباط، يعيد إلى الأذهان مجموعة من الأحداث التي شهدتها الملاعب المغربية خلال السنوات الماضية، ويطرح سؤال كيف يمكن الحدّ من تكرار مثل هذه الأحداث المؤسفة التي تسيء لصورة الكرة المغربية.

وتوالت ردود الأفعال، بعد، أحداث “الأحد الأسود”، على مواقع التواصل الاجتماعي حيث طالب مجموعة من النشطاء بفرض إجراءات أكثر تشدداً خلال ولوج الملاعب، أهمها منع القاصرين من الدخول للملاعب، وفتح نقاش مباشر مع مجموعات “الإلتراس” من أجل اشراكهم في تنظيم الجماهير قبل وبعد المباريات.

ومثلما هناك من وجه أصابع الاتهام إلى حركية “الألتراس” المعنية بتنظيم الجماهير باعتبارها فصائل “شبه منظمة” لتشجيع الفرق، فقد حذّر أخرون من أي قرار قد يتجه إلى فرض حلّها أو منعها، باعتبار أنّ دورها مهمّ داخل الملعب، ولطالما كانت من العناصر التي تجعل المباريات تكتسي طابعاً إحتفاليا وجمالياً في المدرجات مذكّرين بالصور الحضارية التي تناقلتها وسائل الإعلام في مجموعة من المناسبات، وعدم ربط أحداث الشغب بـ”حركية” المشجعين.

لكن تساءل، العديد من النشطاء عن سبب اندلاع أحداث الشغب مثل التي شهدتها العاصمة الرباط، أمس الأحد، وهل أصبح الملعب مجالاً للتنفيس عن مشاكل إجتماعية ونفسية تعيشها هذه الفئة من الشباب غير المؤطر، ليأخذ التنفيس عنها أشكالاً عنيفة؟، وكيف يمكن منع تكرار ماوقع من دون المسّ بحضور الجماهير في الملاعب بعد أزيد من سنتين من إغلاقها في وجه العموم بسبب جائحة “كورونا”؟.

ومن أجل مقاربة الموضوع، من وجهة نظر سيكولوجية ونفسية، وفتح باب الرأي العلمي من أجل فهم حوادث العنف الجماعي، مثل واقعة “الأحد الأسود”، يعتبر عماد لهبوب، أخصائي نفسي إكلينيكي ومعالج نفسي وباحث في علم النفس الاكلينيكي والمرضي، أن “الشغب في الملاعب ظاهرة تتداخل فيها ابعاد نفسية واجتماعية، وهي تعبير عن إنفعالات مكبوثة”.

وقال لهبوب، في إتصال مع “الأول”، :”مما لا شك فيه، فالشغب داخل الملاعب يمثل ظاهرة تتداخل فيها أبعاد متعددة ‘نفسية اجتماعية، وتربوية ثقافية، وإعلامية اقتصادية، وسياسية أيضا’، فهو يمثل ظاهرة معقدة ومتفاعلة الأبعاد، بالتالي لا يمكن حصرها في بعد واحد. وعموما الشغب في الملاعب يمكن اعتباره نمطا سلوكيا يرتبط بانفعالات محددة، تصدر في ظروف معينة وتتصف بالابتعاد التام عن المعايير الأخلاقية والاجتماعية والتربوية التي يتفق وينص عليها المجتمع”.

وحول الأسباب والخصائص النفسية، أكد لهبوب على أنّه، ”
يمكن تفسير الخصائص النفسية لممثلي فعل الشغب والعنف داخل الملاعب، بما يصطلح عليه مجازا في علم النفس الاجتماعي “بالوباء الذهني” والذي يشكل قاعدة جمهورية بخصائص مشتركة عند الغالبية يقودها إما هدف محدد، أو فكرة محددة، وتعبر سلوكيا بنوع من التنفيس الانفعالي عن كبت وتوثر اجتماعي حاد أو امتداد لإيديولوجيات مكتسبة تعبر عن مورثات نفسية تتخذ المباريات الرياضية كعامل مفجر لسلوكيات مضادة للعرف الأخلاقي والمجتمعي، بالتالي فالأفعال العدوانية للجماهير داخل الملعب تعبر عن جملة من الانفعالات المكبوتة، وحالة من الرفض للواقع الاجتماعي بالإضافة أيضا إلى الظروف المحبطة داخل الملعب والأجواء المحيطة به، وقد تصل هذه السلوكيات إلى حدود توصيفها بالاضطرابات السلوكية والانفعالية، التي تعبر بحسب “كوفمان” عن انفعالات وسلوكيات شاذة وغير مقبولة اتجاه الأخرين وغير متوافقة مع البيئة المحيطة بهم ومع مجتمعهم، ويمكن أن تظهر داخل الملعب على شكل نرفزة مفرطة وتعصب مبالغ فيه، وانجراف عاطفي حاد، وحماس زائد في التعبير عن الفرح أو الحزن في حالة الفوز أو الخسارة”.

وتابع ذات المتحدث: “وما يميز السلوكيات التي ترتبط بالشغب والعنف داخل الملاعب أن المراهقين من يشكلون القاعدة القيادية لها، على اعتبار ما تمتاز به فترة مراهقتهم من خصائص تعبر في مجملها عن أنماط سلوكية بطولية تجسد حب التمظهر والاندفاعية المفرطة، والحماس الزائد، وتبني القوة من أجل تكريس والحفاظ على أسطورتهم الذاتية …، ويمكن أيضا أن يعبر الشغب داخل الملاعب على نوع من ‘التماهي بعدوان المتسلط؛ والذي يسعى من خلاله الانسان إلى فك قيود القهرة الاجتماعية وعدوان المتسلطين، وقلب الأدوار وإسقاط كل الضعف ومشاعر العجز على من يقله ضعفا، في محاولة لرد الاعتبار أو الوصول إلى وهم الاعتبار الذاتي، وبالتالي هذا ما يجعل الإنتماء إلى المجموعة أمرا ضروريا من أجل إبراز القوة في ردود أفعال هرمية يصعب ردعها أو التحكم فيها”.

ويقترح الأخصائي نفسي، مجموعة من المقترحات لمحاضرة الظاهرة عملياً، أهمها، “تشكيل لجنة مرافقة للمشجعين والأنصار داخل الملاعب وخارجها من أجل تكريس مفاهيم ترتبط بالروح الرياضية وكذلك تحسيسهم بمخاطر استعمال العنف”.

واضاف، “الاهتمام بسيكولوجية الجماهير الرياضية في مقاربات ودراسات علمية، من أجل فهمها وكذلك تعديل اختلالاتها، وتعزيز وتدعيم نقط قوتها، وذلك من خلال إنشاء خلايا للبحث والتقصي الميداني بقيادة أخصائيون في علم النفس وعلم الاجتماع”.

وقال لهبوب، يجب “إعادة النظر في البنية الاجتماعية من أجل تعديل وإعادة تنظيم الوضع الاجتماعي على أسس وخصائص سوية وسليمة، والمراقبة الأمنية الدقيقة للأنصار والمشجعين وتخصيص أماكن خاصة بالقاصرين”.

أيضاً، حسب لهبوب، ضرورة “زيادة الاهتمام بالتوعية الرياضية في المؤسسات التربوية والرياضية، من أجل تكريس وزرع مفاهيم ترتبط بالتشجيع السليم وثقافة التسامح، والتواصل الإيجابي مع الأخر”.

 

التعليقات على “شغب الملاعب”.. خبير ل”الأول”: “الأفعال العدوانية للجماهير داخل الملعب تعبّر عن حالة من الرفض للواقع الاجتماعي” مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

انتهاء “أزمة” إضراب المحامين.. فرضوا على وهبي “التنازل” في مجموعة من النقط وهذه أهم الاتفاقات

أعلن مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب رسمياً، أمس الاثنين، إنهاء مقاطعة الجلسات في مختلف …