أنور أفدجار

في وقت مضى، كان الشباب والمراهقون يستمتعون ويتوقون إلى الموسيقى الجميلة والألحان الراقية، التي تسافر بمخيلاتهم وعواطفهم إلى عوالم أخرى، عوالم الرومانسية والأحاسيس المرهفة. لكن اللجوء المفرط حاليا إلى أداة (الأوتو تيون)، سيغير، بشكل غير مسبوق، مفاهيم الموسيقى المتعارف عليها، كيفما كان نمطها. وبجهاز (الوالكمان) في جيوبهم ومظهرهم التقليدي، بالنسبة لمحبي الأغنية المغربية والشرقية، أو بهندام أكثر استرخاء للولوعين بالأنغام الغربية، كان رومانسيو الماضي يجدون أنفسهم منغمسين في الكلمات الجميلة التي نظمها شعراؤهم المفضلون، كما تغمرهم إيقاعات مؤلفي الزمن الجميل بإحساس راحة لا مثيل له.

ومن المرحوم محمد الحياني، مرورا بعبد الوهاب الدكالي ونعيمة سميح وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، أو حتى إلفيس بريسلي وراي شارلز ومايكل جاكسون، كلهم ثلة من الموسيقيين الذين، كل واحد حسب أسلوبه، أثثوا أيام وليالي جيل بأكمله.

وماذا عن موسيقى الراي ؟

عرفت هذه الموسيقى في بداياتها بعض الصعوبات لتفرض نفسها، وكان يجب انتظار ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي لرؤية الانطلاقة الفعلية لهذا الأسلوب، بفضل نجوم هذا الفن الذين سطعوا في سماء الراي، من قبيل الشاب خالد والشاب حسني والشاب مامي والراحل ميمون الوجدي. وبعد أن فرض نفسه في موطنه، سيبحث الراي عن نجوميته في الضفة الأخرى للمتوسطي، فاتحا الباب أماما الشباب من أبناء المهاجرين إلى إعادة اكتشاف جذورهم، وأمام الهواة لاكتشاف أسلوب موسيقي يتصدر الساحة الفنية. وبمزجهم بين الإيقاعات العربية والشرقية والغربية، وحتى الهندية، وإدخالهم الآلات الموسيقية الجديدة من قبيل الساكسوفون وطقم الطبول والغيتار الكهربائي، وكذلك غيتار البيس، تمكن نجوم الراي، بأصواتهم الإيقاعية، من إحياء حفلات ناجحة في جميع أنحاء العالم. وتعاون مامي مع (ستينغ) و(زوكيرو) خير دليل على ذلك.

لكن، ومع بداية الألفينات، ستتخذ قصة الراي مسارا مختلفا مع التغيير الذي ستحدثه أداة (الأوتو تيون)، هذا البرنامج المعلوماتي الذي أضحى، ليس فقط أداة صوتية، بل وسيلة لا يمكن للكثير من الفنانين الاستغناء عنها أو حتى أداء مقطع واحد دون اللجوء إليها.

وإذا كان (الأوتو تيون) يمكن من معالجة المقامات الخاطئة، وحتى التي يصعب تصحيحها في بعض الأحيان، فقد أدى هذا البرنامج المعلوماتي المستخدم في استوديوهات التسجيل إلى ظهور عدد لامحدود من (الشباب) يتقاسمون نفس الصوت ويؤدون نفس الأغاني. وهذه هي الصيحة الجديدة المعروفة ب(الواي واي).

فقد ولى زمن الأوركسترات الكبيرة، بما أن هؤلاء الموسيقيين الذين يتبنون هذا الأسلوب لا يحتاجون إلا لصندوق إيقاعات والأورغ، وطاولة ميكساج، وميكروفون، وسحر (الأوتو تيون)! أما بالنسبة للكلمات، فيتم اقتباسها من كل الريبرتوارات، لأن الهدف الوحيد هو إيجاد القافية المرغوب فيها. ويقول السيمو، وهو مغني شاب من مكناس، إن هذا الأسلوب الموسيقي رأى النور ”لتمكين الذين لا يتوفرون على قدرات صوتية من إسماع صوتهم”.

وأوضح هذا المغني الشاب، الذي يتوفر على بضعة مقاطع على (يوتوب)، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “(الأوتو تيون) يقوم بالعمل كله، يكفي فقط أن نتكلم وكل شيء يبدو موسيقيا”، مضيفا أنه على الرغم من ذلك يحن إلى الماضي “زمن الموسيقى الحقيقية، عندما كان صوت وموهبة المغني، وكذا العازفين الذين يرافقونه، أهم عناصر أي عمل موسيقي”. وأكثر من مجرد نمط موسيقي، أصبح (الواي واي) في الوقت الحاضر أسلوب حياة، فيمكن التعرف بكل سهولة على الولوعين بهذا الأسلوب، من خلال مظهرهم أو لباسهم أو تصفيفة شعرهم، سواء كانوا من الذكور أو الإناث.

وي عرف (الواي واي)، كذلك، برقصته الفريدة القائمة على إيماء كل الكلمات وتحويلها إلى حركات راقصة، حيث اختار هؤلاء الشباب (المعرفون بالمريول أو المريولة) تطبيق (تيك توك) كفضاء لنشر مقاطعهم المصورة والتعبير بكل حرية عن أسلوب حياتهم. وهكذا، فقد مكن برنامج معلوماتي بسيط من تحويل مفاهيم وأسس فن الراي، وفتح المجال لأسلوب حياة جديد. وما ينطبق على الراي، ينطبق كذلك على باقي الأنماط الموسيقية في مختلف أنحاء العالم.

التعليقات على “الأوتو تيون”.. الأداة الرئيسية لإنتاج “الواي الواي”.. شباب يتقاسمون نفس الصوت ويؤدون نفس الأغاني مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

الرميد يعارض تعديلات مدونة الأسرة: “إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني فإنه ليس من الحكمة اعتمادها”

مصطفى الرميد* من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمثانة مؤسسات ب…