توزعت القراءات حول تسريبات أوراق باناما بين من توقف عند الجانب الاقتصادي كأحد تجليات العولمة المتوحشة وتصفيات بين المؤسسات البنكية العالمية، وبين من استنجد بالجانب الأخلاقي في عمليات تظهر أنها قانونية أو تتوسل القانون للتهرب الضريبي، وأخيرا من ركز على عملية مخابراتية بامتياز أقدمت عليها الوكالة المركزية الأمريكية، لفضح غريمها الروسي وأطراف لا تنظر إليها أو لم تعد تنظر إليها بعين الرضى.
يرى كثير من الخبراء أن ما تسرب إن هو البداية، وأنها ستفضي إلى نتائج متعددة، منها الجنات الضريبية والتملص الضريبي الذي يتم بكل “قانونية”. القانون كان دوما أداة الطرف القوي لتسويغ فعل ما، أو فرض تصور ما… القانون ليس صنو الحق، وكان دوما متخلفاعن الواقع، ولذلك يتم الاستنجاد بالأخلاق أولا حينما يعجز القانون، ثم يتم بعد ذلك ملء ثغرات القانون التي تُنافي مقتضيات العدالة والإنصاف. هناك إذن فراغ قانوني فضحته تسريبات باناما مثلما طالب الأكاديمي كابريل زوكمان Gabriel Zucman من جامعة بركلي بكاليفورنيا لمواجهة آفة التملص الضريبي.
أما من حيث الجانب الاقتصادي، فليست تسريبات باناما إلا صورة للتوحش في غاب العالم المالي، ومن ثمة الاقتصادي.. الحوت الكبير يلتهم الأصغر الذي يتلهم السمكة… هذه حقيقة “الجنة الموعودة” التي بشّر بها حواريو الليبرالية الجديدة، ودعا لها كهنوت بروتن ودس.
لا بد من الوقوف عند حقيقة اللبرالية الجديدة وشرعة الغاب التي تقوم عليا، أو على الأقل التوقف عند التغني بمزاياها، لها مزايا بكل تأكيد لفئة شفيفة، ولها انعكاسات سلبية مؤكدة على الشعوب.
ولكن الذي يهمنا هو البعد الاستراتيجي لتسريبات باناما.
طبعا من الصعب الوقوف على أبعاد هذا التسريب من دون معطيات دقيقة، ولكن من السهل القول بأنه غير بريء، وأنه يخضع لمعطيين أساسيين:
الأول عودة الحرب الباردة في شكل جديد، من دون إيديولوجية ولا سباق تسلح، ولذلك من الطبيعي أن تغير الولايات المتحدة السلاح ضد غريمها الروسي الذي لم يعد يقبل بدور كومبارس على الساحة الدولية.
والثاني هو رسم معالم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع ضمور دور البترول.
هل من المصادفات أن تتم تسريبات باناما بعد حوار الرئيس أوباما لمجلة أتلانتيك والتي أسفر فيها عما سُمي بنظرية أوباما؟ وهل من العبث أن يتحرك حلفاء أمريكا القدامى في أحلاف ومناورات دبلوماسية وعسكرية وتعبئة داخلية لو لم يستشعروا الخطر؟
يرى البعض أن أوراق باناما هي الجيل الثاني لويكيليكس، وأنها الدفعة الثانية لسلاح التغيير الشامل في منطقة قضّت مضاجع الغرب لعقود بإيديولوجياتها المهدوية وباستثنائها الثقافي ونزوعها الاستبدادي، وتفريخها للإرهاب..
ينبغي أن نذكر شيئا وهو أن الثقافة السياسة الأمريكية متأثرة بالكتاب المقدس والتأويل البروتستاني حيث يميل الرب إلى الانتقام، على خلاف الفهم الكاثوليكي حيث الرب محبة ومغفرة… لم تنس أمريكا 11 سبتمبر، مثلما ورد في تصريح أوباما، وتريد أن ترد الصاع صاعين. اللعبة الكبرى the big game كما يقول روديار كيبلنغ بدأت، ولن تتوقف.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…