د. عبد النبي أبوالعرب
أقدم حزب الأصالة والمعاصرة، من خلال مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، الذي يرأسه الأمين العام للحزب إلياس العماري على مبادرة مثيرة خلال أيام 18 و19 المنصرمين، تتمثل في تنظيم مناظرة دولية حول الكيف، تحت شعار “جميعا من أجل بدائل قائمة على التنمية المستدامة والصحة وحقوق الإنسان”، خرجت بتوصيات أقحمت الملك محمد السادس في موضوع يجب أن يبقى بعيدا عن أي استعمالات سياسوية، وقد توحي بأن هناك حلولا جاهزة لهذه القضية المعقدة لا تنتظر إلا تأشير الملك عليها !
وقبل الخوض في تفاصيل هذه المبادرة المشبوهة من حيث تهافت المقاربة الكامنة وراءها، لابد في البداية من رفع الخلط المرفوض الذي ينطوي عليه هذا الشعار، والذي يوحي بأن زراعة واستهلاك الكيف حق من حقوق الإنسان ! والحقيقة، كل الحقيقة، أن هذا المخدر وباقي كل المخدرات، هي أحد أهم العوامل التي تساهم في المساس بحقوق الإنسان في العيش الكريم، بعيدا عن كل أشكال الجريمة والعدوان الاجتماعي والخراب النفسي والأمراض المهلكة والحوادث المميتة …
وتتعدد التحليلات حول سر اهتمام حزب الأصالة والمعاصرة في شخص أمينه العام بهذا الموضوع بالذات، على بعد أشهر من الانتخابات التشريعية. حيث لا تعدو هذه المبادرة بالنسبة للبعض أن تكون مجرد مناورة انتخابية، هدفها خدمة القواعد الخلفية للحزب، وتقديم خدمات سياسية للشبكات القوية العاملة في مجالات التهريب والاتجار في المخدرات، وذات النفوذ الانتخابي القوي في هذه المناطق التي يحاول فيها حزب الأصالة والمعاصرة ترسيخ تواجده، لأجل ضمان ولائها وتجنيدها في معركة 7 أكتوبر المقبلة، كحليف سياسي قد يوفر لهذه الأنشطة الغطاء السياسي اللازم، والذي سيضمن بالتأكيد انتعاشها وازدهارها. وفي هذا االسياق، يذهب البعض إلى اعتبار أن حزب الأصالة والمعاصرة إنما يحاول من خلال هذه المبادرة الدفع في اتجاه تفصيل غطاء قانوني لإنتاج وتجارة المخدرات، من خلال محاولة استصدار قانون يشرع زراعة وتسويق الحشيش تحت ذريعة الاستعمالات الصناعية والدوائية.
ويبقى السؤال الذي يهمنا أكثر في هذا المقال هو مدى جدية البدائل المطروحة، في شقيها الصناعي والدوائي، للخروج بساكنة الشمال من هذه الأنشطة المحظورة، وذات الخطورة الشديدة على صحة وسلامة المواطنين. حيث لابد من التأكيد منذ البداية أن هذه البدائل لا تعدو أن تكون إلا أطروحات غير علمية، تنبني على مقترحات غير واقعية وغير ذات فعالية. ذلك أن هذا المقترح ينطلق من مبدأ استبدال شجرة الحشيش (Cannabis)، بشجرة أخرى من نفس الفصيلة، تسمى Le Chanvre. هذا النوع الثاني له ميزتان، الأولى هي ضعف المفعول المخدر فيها مقارنة مع قوته العالية في شجرة الحشيش، وثانيها وهو الأهم، وهي الاستعمالات الصناعية الممكنة لألياف هذه الشجرة، حيث تستعمل كبديل عن القطن في صناعة الأثواب والحبال وكذلك كعازل صوتي وحراري في البناء، كما يمكن استعمالها في صناعة مواد التجميل وصناعة الورق وغيرها…
إلا أن أي تفكير وفق قواعد السوق في هذه الفرضية البديلة يخلص إلى صعوبتها في ميزان المنافسة الصناعية والتجارية. ذلك أن الشبكة الاقتصادية لمنتوج شجرة الحشيش (المخدر) تختلف تماما عن تلك المتعلقة بشجرة Le Chanvre (الألياف النسيجية). وفي هذا السياق، لابد أن نلاحظ أن هذا المنتوج لم يستطع في أي بلد في العالم أن يصبح بديلا حقيقيا عن الحلول الحالية في مختلف المجالات، خاصة في قطاع صناعة الألياف والأنسجة، حيث لا يشكل إلا حوالي 1.4 في المائة من المنتوج العالمي للألياف، و 0.4 من الألياف النباتية، بمجموع إنتاج لا يتجاوز 90.000 طن في العالم، ينتج كليا في شقه الصناعي في الصين. حيث يصعب تصور إمكانية القبول على هذا المنتوج كمادة أولية بديلة، في قطاع يسيطر فيه القطن على سوق الألياف النباتية، بما يتوفر عليه من خصائص أكثر تنافسية.
ويبدو أن اقتراح استبدال شجرة الحشيش بشجرة Le Chanvre، لا يعدو أن يكون مغامرة فلاحية وتجارية، يصعب من خلالها تمكين ساكنة الريف المغربي من منتوج مضمون السوق والاستعمالات من جهة، ومرتفع المردودية من جهة أخرى. إن استبدال شجرة الحشيش بشجرة Le Chanvre، هو خروج كلي من قطاع اقتصادي إلى آخر. والأولى أنه إذا تم الخروج وقبلت ساكنة الريف بالمغامرة في مشروع صناعي وتجاري بديل أن نبتعد تماما عن هذه الشجرة الخطرة، ونفكر في بدائل أكثر ضمانا للنجاح الصناعي والتجاري سواء على مستوى السوق الداخلية أو الدولية.
إن كون هاتين الشجرتين، ذات المنتوجين المختلفين لا تستهدفان نفس الأسواق، ولا نفس المستهلكين، ولا تتطلبان نفس المهارات ولا نفس الإمكانات، ولا تقفان أمام نفس المنافسين، يجعلنا نعتبر أن استبدل شجرة الحشيش بشجرةLe Chanvre يفرض علينا نفس التحديات ويضعنا على نفس المسافة من النجاح التجاري في حال استبدلناها بزراعة الذرة أو الشمندر أو الحبوب أو غيرها من المنتجات.. فالأولى إذن أن نبتعد عن هذه الشجرة، التي على رغم ضعف نسبة الفاعل المخدر فيها، تظل ممنوعة في العديد من الدول، لأن استعمالها كمصدر لصناعة المخدرات يبقى ممكنا، مما يعيدنا إلى الحلقة الأولى التي نريد الخروج منها، وهي القضاء على زراعة المخدرات وترويجها واستهلاكها.
ولعل الجميع يعلم مدى حساسية هذا المشكل الشائك بالنسبة لبلدنا، والذي يستلزم حلا جذريا، على المستوى المتوسط والبعيد، من خلال إيجاد حلول بديلة حقيقية، تنبني على مجهود التنمية الشاملة لهذه المناطق، بالانخراط في مشاريع عملاقة قادرة على استيعاب هذه الجغرافيا وإعطائها وجها جديدا أمام العالم والتاريخ. وإن وطننا قد أتبت اليوم أنه قادر على ذلك، كما فعل في مشاريع نور وميناء طنجة المتوسط والقطار فائق السرعة والمغرب الأخضر ومشاريع تنمية الصحراء وغيرها من المشاريع التي تغير مستقبل هذا الوطن، ما سيحررنا لا محال من قدر إلى قدر أحسن منه بإذن الله، قوامه التنمية المستدامة والصحة وحقوق الإنسان، ولكن بالتأكيد بعيدا عن الحشيش والكيف وكل أنواع المخدرات.
أستاذ جامعي، دكتوراه في علوم التدبير والتسويق
المغرب وبوركينا فاسو يختتمان اجتماعاً عسكرياً بتوقيع اتفاق لتعزيز التعاون الدفاعي
اختُتم الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بين المغرب وبوركينا فاسو، الذي انعقد بالرباط…