خالد الجامعي
في مارس من سنة 1985، اتفق كل من وليام كازي مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) إذاك، وبندر سلطان سفير آل سعود بواشنطن، اتفق الاثنان على اغتيال الشيخ محمد حسن فضل الله، الزعيم الروحي لحزب الله، الرجل الذي كان معروفا حينها بمواقفه المناهضة للإمبريالية ولإسرائيلي والمتقدمة على المستوى الديني.
بالفعل، فالرجل قد أصدر فتوى تحرم كل أشكال العنف الممارس على النساء، مصنفا هذا التصرف بأنه “من أحقر السلوكات الإنسانية”، إذ تبرأ من العنف الذي اعتبره مخالفا لتعاليم الإسلام. وأضاف الشيخ فضل الله في نفس الفتوى بأن “المرأة يحق لها أن ترد على عنف زوجها الجسدي عليها بعنف مماثل في إطار الدفاع عن النفس”، كما رفض كل مفهوم لأفضلية أو سيادة الرجل على المرأة.
وطبعا هذه الفتاوى وغيرها، ما كانت لتنال رضا آل سعود، بل العكس !!
نجا الشيح محمد حسن فضل الله من محاولة الاغتيال التي استهدفته، والتي تم تنفيذها بواسطة سيارة مفخخة، وراح ضحيتها 80 مدنيا لبنانيا. عملية يُنسب تنفيذها إلى عميل قديم بالـSAS (قوات الخدمات الجوية الخاصة البريطانية)، بمساعدة الأجهزة السرية اللبنانية، وهي العملية التي رصد لها آل سعود تمويلا يقدر بـ 3 ملايين دولار (2).
وفي عام 2006، حينما هجمت إسرائيل على لبنان، قام آل سعود وغالبية القادة العرب باتهام حزب الله، بأنه ومن خلال ممارساته “المغامرة” قد منح الإسرائيليين فرصة ليبرروا “تدخلهم”، كما تنبأ الزعماء العرب باقتراب نهاية حزب الله.
لكن، وعكس ما كان يأمله “التيريسياس” (3)، السعوديون وأتباعهم، لم يستطع الجيش الصهيوني أن يشتت حزب الله أو يتغلب عليه، وهو الأمر الذي اعترفت به لجنة فينوغراد (4).
من جهته، كتب شارل اندرلين، المتخصص في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بأن “الجيش الإسرائيلي أطلق على لبنان 160 ألف قذيفة، وأزيد من 1800 من الصواريخ الحاملة لمئات الآلاف من الذخائر العنقودية، في حين أن الطائرات كانت تقوم يوميا بـ 520 خرجة، أي 17550 خرجة في المجموع، 8000 منها كانت عمليات قصف. ثلاثة فيالق وعشرات الدبابات من أقوى جيش في الشرق الأوسط لم تكن كفيلة بتحقيق النصر على 3000 آلاف مقاتل من حزب الله. إنه لفشل استراتيجي وتنفيذي وتكتيكي”.
خلال هذه الحرب المخطط لها والمدعومة من طرف المحافظين الجدد، قدم آل سعود وقادة دول الخليج الدعم إلى تل أبيب طالبين منها القضاء على حزب الله. وقد بينت هذا وأكدته تسريبات ويكيليكس. (5).
وهذا يعني أن آل سعود وأذنابهم لم يتوقفوا قط عن التآمر على هذه الحركة المقاومة ضد إسرائيل والعمل من أجل تدميرها، منفقين لهذا الغرض الملايين من الدولارات، لكن بدون جدوى.
إن وصف حزب الله أنه تنظيم إرهابي هو أمر، أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه مثير للسخرية، خاصة وأن الحزب لم يحدث وأن ارتكب أي عمل عدائي ضد آل سعود أو ضد أي نظام عربي.
“ضربني وبكى.. سبقني وشكا..”
هذا الاتهام الذي وجهه آل سعود إلى حزب الله، لقي تأييدا من قبل غالبية الأنظمة العربية، وبالمقابل لقي رفضا وشجبا من قبل الشعوب العربية والإسلامية كلها تقريبا. كيف نفسر هذا التناقض بين قادة هذه الأنظمة وشعوبها إذا لم يكن الحال هو أن القادة لا يمثلون شعوبهم، ولا يعبرون عن رغباتهم.
وكيف نفسر كذلك هذا الحقد، هذا التحامل من قبل غالبية الزعماء العرب على مجرد حزب، على مجرد حركة مقاومة؟
إذا لم يكن:
- لأنه بمثابة المرآة المنكسرة لهؤلاء القادة العرب ولأنظمتهم، يعريهم، يعري صفقاتهم، خياناتهم، أكاذيبهم، جبنهم وفسادهم، إلى ما غير ذلك من الآثام والجرائم.
- لأن حزب الله قد بدد أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم.
- لأن حسن نصر الله خطيب كاريزماتي بليغ، ولأنه في ذات الآن يحظى بمصداقية كبيرة ليس فقط في العالم العربي الإسلامي، بل كذلك لدى الإسرائيليين، الذين يؤكدون بأنه أكثر مصداقية من غالبية زعمائهم.
- لأن ابنه هادي قتل في معركة ضد الإسرائيليين بسلاح في اليد، فيما يتشمس جل أبناء القادة العرب في فنادق خمس نجوم متحولين إلى رجال أعمال دون قيود…
لهذه الأسباب وغيرها، يسترعي حسن نصر الله إعجاب أغلبية الشعوب العربية الإسلامية، بل وينظرون إليه كنموذج ومرجع.
ولأن آل سعود لم يفلحوا في تصفيته جسديا، فقد أنفقوا ملايين الدولارات ليمرغوا صورته ويهزوا مصداقيته لدى “رعاياهم”، لكن، مرة أخرى، دون جدوى.
ولنضف إلى ما سبق، بأن آل سعود يعتبرون أن حزب الله هو تجمع “للروافد والخوارج” (6) والذين يطمحون إلى إخضاع “أهل السنة والجماعة” تحت حكمهم.
هو حزب يدافع كذلك عن “الطائفية”، حزب ينتمي إلى ما سمي “الهلال الشيعي”، وهو تعبير جيوسياسي استعمله أول مرة ملك الأردن عبد الله الثاني في حوار أجراه بتاريخ 8 دجنبر من عام 2004 مع “الواشنطن بوست”، وهو الحوار الذي أكد فيه قلقه “من بروز “هلال شيعي” يجمع إيران والعراق وسوريا وحزب الله”. وقد عاد الملك عبد الله الثاني لاستعمال هذا التعبير في 22 مارس من سنة 2005، خلال لقاء مع زعماء الجالية اليهودية الأمريكية، حيث علق بأن هذا “الهلال” يشكل “الخطر الرئيسي على الاستقرار في الشرق الأوسط وبأنه المحرض الأول على الهجمات ضد إسرائيل”.
في حين أن هذه الدول وهذا الحزب يشكلون “جبهة للمقاومة والممانعة”، تتصدى، في الواقع، للمحتل الصهيوني وتقدم بشكل فعلي دعما ماديا وعسكريا للمقاومة الفلسطينية، وهو ما مكن هذه المقاومة من الصمود خلال الحرب الأخيرة على غزة. أما باقي البلدان العربية، فلم تحرك ولو أصبعها الأصغر، بل اكتفت بالقعود مرددة التأويل الانهزامي الذي اعتادت أن تعطيه للآية القرآنية: “اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا نحن هنا قاعدون”.
إن اللجوء إلى استعمال عبارة “الهلال الشيعي” هدفه تحريض العالم السني ضد الشيعة، إنها مجرد خدعة للتمويه من أجل صرف اهتمام الشعوب العربية عن صفقات قادتها، بل وخياناتهم، ظنا منهم بأنهم قد يمحون من ذاكرة الشعوب أنه، خلال سنوات الستينات، كان الحب والوئام يجمع بين آل البهلوي بطهران وآل سعود بالرياض، تحت رعاية حاميهم الأمريكي. وطبعا، في تلك الفترة كما هو الحال إلى اليوم، فإيران شيعية.. لكن اندلاع ثورة الخميني غير هذه المعادلة.
لقد رأى آل سعود في هذا الحدث، ليس فقط خطرا على تأثيرهم في العالم العربي الإسلامي، وإنما كذلك خطرا على مستقبلهم كعائلة حاكمة. ومن هنا نبعت الحرب الإيرانية-العراقية، التي سعى إليها، بل وشجعها ومولها آل سعود وغيرهم من قادة دول الخليج، مستعملين في ذلك صدام حسين، في هذا الصراع الذي دام أزيد من ثمان سنوات، وسقطت فيه مئات الآلاف من الأرواح البشرية، والذي كان من بين أهدافه المضمرة أيضا، ضرب نظام آيات الله وحزب البعث العراقي بعضهما ببعض والتخلص منهما معا.
ويظل السؤال مطروحا حول ما إذا كان الصراع السني-الشيعي، لا يرمي، كذلك وخصوصا، إلى استئصال حرب اقتصادية محركها الأساسي يكمن في الغاز والبترول، حرب يخوضها من طرف، قطر وآل سعود، ومن الطرف الآخر سوريا وإيران وروسيا؟
وجب التذكير في هذا السياق بأن قطر وآل سعود كانوا قد اقترحوا، في 2009، على بشار الأسد إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي، ينطلق من سوريا، مرورا بقطر والسعودية، ثم عبر تركيا لينفذ نحو أوروبا عبر البلقان. لكن الرئيس السوري، وبعد استشارة حليفه الروسي، رفض العرض السعودي القطري. فلم تكن موسكو لتقبل بهذا العبور الذي كان سيحرمها من سلاحها الاستراتيجي ضد أوروبا، كونها المزود الرئيسي للبترول والغاز لبلدان القارة العجوز.
أمام هذا الرفض، وفي عام 2011 قرر آل سعود وقطر، أن يفعلوا المستحيل للإطاحة ببشار الأسد واستبداله بأحد موالييهم، شخص ينفذ مشروع خط أنابيب الغاز. ومن أجل هذا الغرض، قاموا باستغلال الاحتجاجات الجماهيرية التي خرجت لانتقاد نظام الأسد، وفي سياق “الربيع العربي”، استقدموا إلى سوريا في تلك الفترة بل ومولوا ميليشيات من ضمنها مقاتلون من “النصرة”، أحد أذرع القاعدة، بمباركة من أمريكا، أوروبا وإسرائيل.
ولكن، أين هو يا ترى “أجمل بلد في العالم” من كل هذا؟
كعادته، وحتى يظل وفيا لنفسه، “عوّرها” مرة أخرى، وماذا كنت تنتظرون منه؟ كعادته، اختار المغرب أن يصطف بجانب “مضخاته النفطية”، محتضنا دون بصر ولا بصيرة مزاعم “أصدقائه” الخليجيين.
هكذا التحق “أجمل بلد في العالم” بالركب، وصاح في الحمار الذي يمتطي ظهره “أرّا زيد”، موقنا (الركب) بأن نظام الأسد سينهار مثل قلعة من أوراق اللعب، مثلما حصل مع أنظمة مبارك، بنعلي والقذافي. هكذا، قطع المغرب علاقته بدمشق، وطرد سفيرها بالرباط وانضم إلى نادي “أصدقاء سوريا”.
أما بالنسبة إلى موقفه من حزب الله، فقد اتبع المغرب، بفرح، خطى آل سعود دون بوصلة. بالرغم من أن حزب الله أو حتى دمشق لم يسبق وأن هددا أمن أو استقرار المملكة الشريفة بأي شكل كان. فهل يا ترى تصرفت الرباط على هذا النحو بغية الحفاظ على الدعم المادي الذي تمنحه إياها الدوحة والرياض؟
ربما.
أما اليوم، فمن سوء حظ قطر وآل سعود، أنهما يتواجان في وضع حرج، بسبب الهبوط الحاد لأسعار النفط والغاز، ونظرا إلى أن الدعم الذي منحته هذه الدول للمغرب بدأ يذوب كالثلج.. فقد صار هذان البلدان اليوم مكرهين (ومعهما بلدان أخرى) على إجراء تخفيضات حادة في الميزانية، لم يُشهد لها مثيل من قبل، إن هما أرادا البقاء واقفين على قدميهما.
- 1-هي حركة سياسية عسكرية تأسست في 1982 ردا على الغزو الإسرائيلي للبنان في نفس السنة، وحلفاؤها هم:
- التيار الوطني الحر (ماروني)
- حركة أمل (شيعية)
- الحزب الديمقراطي (دروز)
- حركة المَردة (مارونية)
- حركة المجد (سنة)
- الطاشناق (الأرمن)
- الحزب السوري القومي الاجتماعي (علماني)
- حزب البعث (علماني)
- حزب التضامن (ماروني)
فهل يعقل ان يتهم حزب الله بالطائفية وبالإرهاب وله كل هذه التحالفات مع سنة وعلمانيين ومسيحيين؟
- 2-“ Le Voile : guerres secrètes de la CIA ” بوب وودوورد
- 3-“في الميثولوجيا اليونانية، تيريسياس هو عراف أعمى”
- 4-لجنة تحقيق ترأسها إليا هو فينوغراد أوكلت إليها الحكومة الإسرائيلية مهمة تحليل واستخراج الدروس من الصراع الإسرائيلي اللبناني لعام 2006.
- Le Monde diplomatique :”Au Liban, ce que dévoilent les câbles deWikileaks”-5-
- 6- مصطلح أطلق على من عارضوا الأمويين في القرن السابع.
عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019
صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…