نشرت أمينة ماء العينين القيادية في حزب العدالة والتنمية، تدوينة تحت عنوان، “السياسة بالمؤنث في بلدي”، كرد على الاتهامات التي تروجها جهات ما، بأنها تظهر عكس ما تخفي، وتفعل عكس ما تقول، ودليلهم في ذلك، أنها ترتدي لباس السباحة “المايو” عندما تكون خارج المغرب، رغم ارتدائها اللباس “الإسلامي” في المغرب، بالاضافة إلى انتمائها إلى حزب سياسي بنى مرجعيته على الأخلاق.
وقالت ماء العينين، “تجربتي السياسية ليست طويلة كفاية لتكون شاهدة على مرحلة حاولت فيها امرأة مغربية أن تخوض غمار السياسة من المدخل الحزبي، لكن 20 سنة -على الأقل- من الانخراط الكامل قناعة وممارسة بالوعي والعقل والعاطفة والوجدان،كل ذلك يمكنني من تدوين بعض الخلاصات دون تنميق أو تلميع ذاتي أو لغة خشب، خاصة وأنني خبرت دروب التنظيم الحزبي والنقابي والجمعوي بحضور يومي متواصل على مدى سنوات لحد التماهي، لدرجة أن والدتي كانت دائما تكرر منذ أيام شبابي الأولى: “بهاذ الحالة اللي انت فيها أبنتي، لا عطلة، لا سبت لا حد، غير السياسة وصداع الراس والمشاكل وكلشي يهضر وكل النهار يخلعونا، ماغتوصلي 40 عام حتى تكوانساي وتشرفي قبل الوقت”، لم يعد يفصلني عن الأربعين سنوات كثيرة، أتحسس طاقتي كل يوم وأنا أتذكر كلام والدتي التي أصبحت أكثر إيمانا بي وأكثر خوفا علي”.
وأضافت البرلمانية الإسلامية، “ليس سهلا أبدا أن تكوني امرأة وأن تمارسي السياسة كما يجب أن تمارس في بلدي.
رغم كل تلك الشعارات عن المساواة والمناصفة ودعم تمثيلية المرأة وعدم التمييز ضدها ووو.. أستطيع أن أقول اليوم بدون تردد أن الواقع شيء آخر تماما. نسعى إلى تحقيق وجود عددي ناعم وأنيق: نعم، قد نقبل ببعض القوة والاستقلالية عند الرجال، لكن حينما يتعلق الأمر بالنساء، تستيقظ كل تلك النوازع التي تقبل بهن تابعات متواريات وراء رجل يصنع ويدعم ويوجه وفق اختيارات لا تصنعها تلك النساء، بل ينخرطن فيها ضمانا لاستمرار التواجد أو الترقي.
الاستقلالية وبعض القوة في الخطاب والموقف والانخراط والالتزام النضالي،تعني في فهم البعض تمردا على النسق المغلق، وتعني الغرور و”تخراج العينين” مما يستدعي التأديب والعقاب، والمدخل الأفضل والأكثر نجاعة هو الخوض في الأعراض واستهداف الحياة الخاصة والابتزاز بالعائلة والمجتمع والشائعات والقيل والقال.
عشت من ذلك الكثير الكثير،حتى صارت صديقات سياسيات يسألن عن سر المقاومة والاستمرار رغم القسوة والبشاعة في حرب بدون أخلاق وبدون قواعد في مواجهة “امرأة”.
التبرير الجاهز هو الحق في استخدام كل الوسائل لأننا في مواجهة”شخصية عامة”،لكن التقييم لا ينصب على الأداء أو الكفاءة أو الاستحقاق أو الحضور أو المواقف أو التقديرات،هذه الحلبة تترك للمعنيين حقيقة بأداء المؤسسات والمنتخبين والسياسيين.
الحلبة الأسهل لا تعرف غير الخوض في أسئلة تثير شهية النهش في لحوم الناس كهواية لدى من لا قدرة له على الارتقاء لمستوى الانتقاد والمحاججة:
هل تزوجت وهل طُلقت وهل أنجبت وماذا ارتدت؟ومن جالست؟وأين سافرت؟وماذا تأكل وماذا تشرب وماذا تلبس وكيف تتكلم وكيف تتنفس وهل سعلت وهل عطست….؟؟؟
هذه الأسئلة وغيرها هي التي تهم،بها نمارس الحرب النفسية وبها نستدرج لساحة الإنهاك والاستنزاف والتبرير والاندحار.
لا رهانات هنا ولا نضال ولا منجز ولا نقاش ولا انتقاد ولا اختلاف مشروع.
هنا كل الأسلحة الفتاكة غرضها وسؤالها واحد: من تكونين حتى تطمحي لمحاولة صناعة الفرق؟ أنت القادمة من عمق الشعب، من زاوية من عمق الجبل، من الهامش البعيد عن سطوة المركز؟هكذا بكل بساطة؟ تستيقظين صباحا لتعلني الموقف الذي تريدين؟ هكذا وحدك؟ تصرين على أن تكوني مستقلة في رأيك وقناعاتك؟
لا يهمك أن تختلفي حتى مع أبناء وبنات تنظيمك السياسي في الكثير من القناعات والمسلمات؟ ثم مع المطلوب في السياق السياسي، فبعض الذكاء الذي لا نظن أنك تعدمينه يسهل عليك أن تعرفي المطلوب حسب السياق وأن تعرفي كيف تترقين تنظيميا ومؤسساتيا وأن تأخذي كما تشائين وأن تحظي بالهدوء وأن لا يتحدث عنك أحد أو يلوك سيرتك أحد.
الوصفة معروفة وتحفظها كل المشتغلات بالسياسة عن ظهر قلب”.
وختمت ماء العينين تدوينتها بالقول، “تقولين أنك حداثية وأنك تمارسين الحداثة قناعة وسلوكا كما تؤمنين بها، وقد درَست الفلسفة ودرَّستها لطلابك، تقولين أنك مؤمنة بالحريات الفردية وحرمة الحياة الخاصة وقد دافعت دائما بمبدئية عن المستهدفين من خصوم حزبك السياسي قبل المنتمين إليه حينما يتعلق الأمر بذلك، تقولين أنك لم تكوني يوما واعظة ولامستعلية على المجتمع واختلافاته وتعدده، نسجت علاقات انسانية وصداقات قوية مع المنتمين لتنظيمات تختلف عن تنظيمك حد التناقض.
طيب كل ذلك لا يهم، الهدف ليس هو التعبير عن الاختلاف، الهدف هو الإيذاء والإيلام إذا لم يكن لك (إن كنت تدعين القوة) فعلى الأقل لأبنائك وعائلتك،الهدف هو التأديب والقتل المعنوي، هو كبح جماح الإرادة واستنزاف طاقة رفع الرهانات وإعلان المواقف المستقلة والصعبة، ووقف مد الانفتاح وتدبير الاختلاف ونسج التحالفات على قاعدة الديمقراطية والنضال لأجل التغيير والحقوق والحريات، بغض النظر عن الاختلاف الفكري والايديولوجي.
الهدف هو الإلهاء والاستنزاف والمزيد من تسطيح وعي الناس وجرهم إلى النميمة وتداول الشائعات والافتراءات وكل مظاهر الوضاعة والحقارة المتجسدة في البشر والخطاب والسلوك والممارسة.
ومع ذلك فلازلت مؤمنة بإمكانية صناعة الفرق داخل المؤسسات باستقلالية وثقة وبالكثير من الاجتهاد والعمل والحضور،ولازلت مؤمنة أن الحزب الذي أنتمي اليه هو حزب سياسي يمارس التأطير والنضال السياسي والمساهمة في تدبير الشأن العام والترابي بشراكة مع الآخرين على قاعدة الديمقراطية والتداول واحترام الاختلاف .
ولكل رهاناته واختياراته”.