دعا حكيم بنشماش رئيس مجلس المستشارين ورئيس رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في أفريقيا والعالم العربي، إلى إنشاء شبكات برلمانية تضم غرف التجارة والصناعة والفلاحة لمتابعة تنفيذ مخرجات المنتدى البرلماني الاقتصادي الإفريقي- العربي الذي انطلقت أشغاله صباح اليوم الأربعاء بالرباط.
واقترح بنشماش، في كلمة خلال افتتاح المنتدى، أيضا استصدار توصيات في شكل تصور افريقي عربي موحد لرهانات الهجرة في ضوء إقرار ميثاق عالمي من أجل هجرات آمنة ومنظمة ومنتظمة خلال شهر دجنبر 2018 واستصدار مجموعة من التوصيات التي تعبر عن وجهات نظر الفعاليات الاقتصادية المشاركة والإجراءات اللازم اتخاذها من لدن الحكومات والبرلمانات الإفريقية والعربية لتشجيع الشراكات التجارية والاقتصادية الكفيلة بتحقيق التنمية المستدامة.
وسجل رئيس مجلس المستشارين أن المواضيع التي اختيرت لهذا الملتقى فرضتها نوعية المخاطر والأجيال الجديدة من التحديات التي بدأت تفرزها التحولات الجديدة للنظام الاقتصادي العالمي، جراء التغير الجذري لموازين القوى الاقتصادية والديموغرافية والتكنولوجية والعسكرية والأمنية التي يعرفها العالم، مشيرا إلى أن هذه التحولات تفرض إعادة التفكير بمقاربة جديدة تتماشى مع نوعية هذه المخاطر الجديدة المحدقة بالعالم، والجيل الجديد من التحديات التي يشهدها.
ورأى، في هذا الصدد، أنه إذا أراد العرب والأفارقة أن “تحتل شعوبهم مكانة محترمة في عالم شديد التحول وبالغ القسوة” فإن عليهم أن يبدعوا أنماطا جديدة من التعاون والتكامل والشراكات وأن يؤسسوا لجيل جديد من الحكامة القائمة على التنسيق بين مختلف مكوناتها، سواء على صعيد السياسات الاقتصادية في مختلف أبعادها أو على صعيد السياسات الأمنية والعسكرية، وكذا التغيرات المناخية. وأضاف أن هذا السبيل هو الأكثر فاعلية “للتحرر من قيود النظام العالمي وسطوة الطامعين في خيرات ومقدرات أوطاننا. وفي هذا الإطار يمثل طموح شعوبنا في الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية والتجارية ومختلف أنماط التعاون والتكامل العربية الإفريقية أولوية استراتيجية عربي ا وإفريقيا “.
وتوقف عند تواضع ومحدودية رصيد التعاون بين المنطقتين العربية والإفريقية، مشيرا على الخصوص إلى أن صادرات إفريقيا إلى العالم العربي بلغت خلال السنوات الخمس الماضية 6.5 في المائة من إجمالي صادراتها، في حين مثلت صادرات العالم العربي إلى إفريقيا أقل من 6 في المائة، وهي معطيات تؤكد، حسب السيد بنشماش، ضعف مؤشرات التعاون بين الدول الإفريقية والعربية، وتسائل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين العرب والأفارقة للبحث عن أنجع الوسائل لتعزيز المبادلات التجارية والاستثمار.
وذكر بالدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب بحكم شبكة العلاقات التي يتوفر عليها مع مختلف الشركاء الدوليين على صعيد أوربا، أمريكا اللاتينية، وآسيا، وكذا مع الدول العربية والأفريقية، والتي ستسمح “بتعزيز العلاقات التجارية وتطوير قطاع الأعمال وخلق شراكات جديدة وتجاوز العديد من التحديات التي تؤثر على تطور العلاقات التجارية بين المنطقة الافريقية والدول العربية”، مسجلا في هذا الإطار أن تعزيز روابط التضامن والتعاون بكل أبعادهما بين بلدان القارة الافريقية والعربية يشكل محورا رئيسيا للسياسة الخارجية المغربية كما رسمها صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأضاف، في السياق نفسه، أن الزيارات المتعددة التي قام بها الملك محمد السادس إلى مختلف الدول الافريقية دليل على الإرادة الملكية ل”ترسيخ وتعميق جذورنا الأفريقية بشكل أكبر في القارة التي ننتمي إليها بفعل الروابط التاريخية التي توطدت منذ قرون”، مؤكدا أن هذه الزيارات تبرز أيضا الاهتمام الخاص الذي يوليه جلالة الملك لتعزيز التعاون جنوب-جنوب بإحاطة إفريقيا بعناية خاصة على اعتبار أن القارة تشكل امتدادا طبيعيا للمغرب.
وأوضح أن هذه الشراكة الاستثنائية مع البلدان الإفريقية، والتي بنيت منذ القدم من خلال المبادلات الثقافية والدينية، أصبحت تقوم حاليا، من أجل ضمان ديمومتها، على تعاون اقتصادي رابح-رابح وكذا على التنمية البشرية وتقاسم التجارب.
كما ذكر بنشماش ببعض المبادرات الأخرى الدالة التي قام بها المغرب وبالخصوص مبادرة الملك منذ السنوات الأولى لتوليه العرش بإلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية، الأمر الذي حظي بإشادة دولية واسعة، خاصة أن قضايا التنمية المحلية للدول الإفريقية تأتي في صلب انشغالات المملكة.
وذكر أيضا بالسياسة والاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي انتهجها المغرب، تحت قيادة الملك محمد السادس بصفته رائد الاتحاد الإفريقي في موضوع الهجرة، والمبنية على القيم الكونية لحقوق الإنسان، من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات الإدارية الهادفة إلى تسوية الوضعية القانونية للمهاجرين واللاجئين لتمكينهم من الولوج إلى الحقوق الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والسكن والشغل والمواكبة الاجتماعية والقانونية، والمرافق الترفيهية والرياضية.
وأبرز رئيس مجلس النواب “المشاريع الطموحة التي أنجزها المغرب في العديد من المجالات خصوصا التنمية البشرية وتقاسم المعارف والخبرات وتكنولوجيا الاعلام والاتصال والفلاحة والصحة والماء والطاقة، من أجل تحسين الانتاجية الفلاحية والنهوض بالأمن الغذائي والتنمية القروية، والنهوض بأوضاع الشباب والنساء”.
وشدد على أن المغرب بحكم موقعه الجيو-استراتيجي، كملتقى للأسواق العالمية من جهة ، وانطلاقا من علاقاته مع دول المنطقة العربية والقارة الأفريقية في ذات الآن، فإنه ينطلق من تصور استراتيجي متجدد ومتكامل حدده جلالة الملك في أكثر من مناسبة، وهو تصور ينبني ليس فقط على تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية جنوب – جنوب من خلال الاعتماد على المقومات والقدرات الذاتية للقارة وللمنطقة العربية، بل أيضا يتأسس على ترسيخ العلاقات التاريخية مع جميع بلدان المنطقة عبر مبادرات لا تشمل فقط الجانب الاقتصادي بل تمتد إلى مختلف الحقول الإنسانية والتنموية والتضامنية والسياسية والدينية والأمنية وغيرها.
واعتبر أن المنتدى فرصة لتحديد الأولويات ووضع خريطة للعمل على كل المحاور السياسية والاقتصادية والتنموية والتشريعية، وذلك من خلال إطار يسمح بدعم اقتصادات البلدان وتعبئة الموارد المالية اللازمة، مسجلا أن الدول العربية وخصوصا ذات الاحتياطيات المالية تستطيع أن تساهم في حل مشاكل الدول الإفريقية من خلال توفير التمويل اللازم بدون شروط تعجيزية كما تفعل ذلك المنظمات والمؤسسات الدولية، وذلك في إطار من التعاون والاستفادة المتبادلة في إطار علاقة رابح -رابح. حيث يمكن للدول العربية الاستفادة من الموارد الطبيعية والأولية الضخمة بالقارة الإفريقية مقابل استفادة الأفارقة من أموال الدول العربية الغنية.
واعتبر أن الأمر يمثل شكلا من أشكال الشراكة العادلة والمنصفة بين دول المنطقة وتحالفا قويا في وجه الدول المهيمنة والمؤسسات الدولية المتحكمة.
يذكر أن اللقاء العربي الإفريقي، الذي يقام على مدى يومين بتنسيق مع رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، في إطار تنزيل برنامج عمل الرابطة، الذي تمت المصادقة عليه في مؤتمرها العاشر المنعقد بالمغرب يومي 20 و21 شتنبر الماضي، والمتضمن لمواضيع متعددة تهم المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتنموية وبناء السلام.
ويروم هذا المنتدى إغناء النقاش والحوار والتشاور البرلماني الإفريقي العربي حول القضايا الاستراتيجية ذات الأولوية والراهنية في المنطقتين الإفريقية والعربية، وفي مقدمتها الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، وكذا تأسيس دبلوماسية برلمانية اقتصادية تمكن من استكشاف سبل وإمكانيات تعزيز التعاون الاقتصادي الإفريقي العربي وفق منظور استراتيجي تنموي تشاركي وتكاملي وتضامني، يرتكز على تمتين نسيج المصالح الاقتصادية والتجارية والروابط الإنسانية بين العالمين الإفريقي والعربي.
وسيناقش هذا المنتدى ثلاثة محاور أساسية تهم “الأمن الغذائي في إفريقيا والعالم العربي”، و”نحو شراكات اقتصادية لمواجهة تحديات التنمية في الدول الإفريقية والعربية “، و”الشراكات العربية-الإفريقية: من أجل نمو شامل ودامج”. كما سينعقد بمناسبة هذا اللقاء الاجتماع الخاص بالنساء البرلمانيات في رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي، تحت عنوان “دور المرأة في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة”.