أثار نجاح أنجلينا ميركل في الحفاظ على منصب المستشارة الالمانية للمرة الرابعة على التوالي، وكذا النجاح الذي حققته لبلدها على المستوى السياسي والديبلوماسي والاقتصادي، جدلا كبيرا ما بين شخصيات عديدة محسوبة على “الإسلام السياسي”، حيث كتب محمد عبد الوهاب رفيقي المعتقل السابق في إطار ملف 16 ماي، تدوينة على حسابه الشخصي على فيسبوك، جاء فيها ” هل نصدق ما يراد لنا أن نفهم من حديث : ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، أم نصدق الواقع الذي نراه مع ميركل وما حققته لوطنها خلال ثلاث ولايات واستحقت معه الرابعة؟
فهل الحديث لم يقله النبي عليه السلام علما أنه في البخاري؟
أم أن فلاح ميركل في سياسة قومها أكذوبة ومؤامرة صهيونية ماسونية عالمية لتدمير الاسلام وتكذيب نبي الإسلام؟ ممكن ربما ألمانيا كلها أكذوبة من خيال أعداء الدين لتشكيكينا في مقدساتنا وصرفنا عن دراسة العلم الشرعي؟.
متى نصالح بين الفكرة والواقع؟ متى نعترف أن كثيرا من النصوص حتى وإن صحت فهي ليست لنا ولا لواقعنا ولا حلا لمشكلاتنا؟ متى نتأكد من أن كثيرا من النصوص لها سياقاتها الخاصة وظروفها وأسباب نزولها التي تجعلها قاصرة عليها فلا تصلح لأن تكون حكما فوقيا على طول الزمان والمكان؟….
عموما هنيئا للألمان بميركل.. المرأة التي أفلح قومها حين ولوا عليهم امرأة…”.
وفي شبه رد عليه، كتب الصحافي المعتقل سابقا، تدوينة على حسابه على فيسبوك جاء فيها، “ملاحظات سريعة بخصوص حديث: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”.
الحديث هنا عن الولاية العظمى، والولاية العظمى قديما التي هي منصب الحاكم أو الرئيس أو الملك، ليست هي الصورة التي عليها مناصب الحكم الآن، فقد كان الحاكم هو الآمر الناهي، حاكما مستبدا منفردا بالحكم.
وحتى في التاريخ الإسلامي كان الحاكم أيضا كان مستبدا، بمعنى له أن ينفرد بالقرارات، وله أن يستشير، وهو غير ملزم بقرارات ونتائج وخلاصت الشورى. في النهاية يصدر القرار الذي يرجح هو أن فيه المصلحة، فمنصب الحاكم حقيقي وليس صوري، وفردي وليس مؤسساتي أو جماعي، لهذا السبب كان وضع قرارات ومصير أمة بكاملها، بين يدي امرأة طبيعتها تتميز بالعاطفة والرقة والضعف، أمرا خطيرا جدا، قد يؤدي إلى هلاك دولة بقرار حرب أو سلم مندفع أو حماسي أو لحظي أو مزاجي.
الولايات الأخرى الصغرى، والمقصود بها المناصب والمسؤوليات التي هي دون الولاية الكبرى، خاصة القضاء وغيره، لايعتريها هذا المشكل، لأن الاستشارة والتداخل والتعاون متحقق فيها، وحتى الآثار المترتبة عليها مختلفة.
العلة إذن في نفي الفلاح، هي انفراد المرأة واستبدادها بالقرارات المصيرية التي تسري على أمة ودولة وشعب بكامله، وحين لاتنفرد المرأة ولا يكون لقرارها آثار على شعب بكامله، فإن الأمر يختلف.
الحديث بهذه الاعتبارات ليس فيه أي تنقيص من المرأة، كما لو قلنا لن يفلح قوم أعطوا مسؤولية تربية الصغار الرضع للرجل، لأن ذلك لايتناسب مع طبيعته وتكوينه ومؤهلاته.
نعود الآن للتشويش والتشغيب المفتعل حول هذه القضية،
أولا من الشروط العلمية لتقييم وانتقاد ودراسة رأي أو قاعدة أو قانون أو اختيار، كما تعلمنا في المدرسة، هي وضعه ضمن سياقاته التاريخية من جهة، والنظر إليه داخل منظومته من جهة أخرى، وإلا كنت مثل الداعشي الذي يأخذ حكما واحدا يريد أن ينزله او يطبقه بمعزل عن منظومته، تلك الأحكام متكاملة مع بعضها، وهي مثل قطع فسيفساء بعضها مقدمة لبعض، وبعضها ثمرة ونتيجة لبعض.
ثانيا منذ متى وصلت نساء الغرب للحكم وقيادة الدول؟ وكم من دولة تحقق فيها ذلك والبشرية الآن في القرن الواحد والعشرين؟ ومتى سمحت اوربا للمرأة بالتصويت والانتخاب؟ ولماذا لم تصل النساء للحكم في كبرى الدول وأعرقها ديمقراطية وأقواها اقتصاديا وعسكريا؟
ثالثا وصول النساء لقيادة الدول في زماننا، لايعني انفرادهن بالحكم، الكل يعرف المؤسسات والإدارة التي تسير الأمور وتتخذ القرارات، فلم يعد هناك شيء اسمه الولاية الكبرى أو العظمى، وميركل أو غيرها من النساء، لايستطيع أحد ان يقول أنها تحكم بمفردها وأنها تحقق النجاح بمفردها وان الألمان ولوها امرهم وأسلموا لها قيادهم وسلموها مصيرهم، وأصبحت هي الآمرة الناهية، لاشك انهم إن فعلوا ذلك فإنهم لم ولن يفلحوا أبدا، لا هم ولا غيرهم.
رابعا قد يكون معنى لن يفلحوا للدلالة على عدم الجواز وليس للدلالة على عدم النجاح، فتكون المسألة فقهية دينية تعبدية متعلقة بالحلال والحرام والمكروه والمباح، وليست فكرية فلسفية، فتناقش حينها بقواعد الفقه وضوابطه ومقاصده.
ختاما الذي يريد ان يناقش مسألة فقهية دينية، بالمناهج المادية والفلسفية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية، عليه أن يناقش أيضا لماذا لا تتولى المرأة منصب البابا، وتمنع دولة الفاتيكان ذلك، لدرجة أن امرأة تنكرت بهيئة رجل لتصل لهذا المنصب؟
وعليه أن ينكر على المؤسسة الملكية عدم توريثها إمارة المؤمنين للأنثى؟
فلتكن لديه الجرأة لطرق هذه المواضيع، واتهام المؤسسة الكنسية بالتمييز، ومؤسسة إمارة المؤمنين بالظلم.
أكيد لن يفعل ذلك لأن الكيل للأسف يتم بمكاييل ومناهج متعددة”.