“حكاية صحفية”.. زاوية نسعى من خلالها إلى استعادة وقائع ومواقف مفارِقة أو مفاجئة أو صعبة.. حدثت لصحفيات وصحفيين مغاربة خلال مسارهن ومسارهم المهني. يحكيها كل يوم زميل أو زميلة على موقع “الأول”

يونس الخراشي
يعيش الصحافي أحداثا كثيرة، أغلبها يتوارى إلى المنطقة الخلفية من الذاكرة، فلا يعود إلى بؤرتها إلا إذا حفزها شيء ما له صلة بالحدث الأصلي.
وقد تذكرت اليوم، بفعل هذا التحفيز، حكايتي مع كل من جمال مبارك، نجل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، والساعدي القذافي، ابن الحاكم الليبي، الذي قتل بعد الإطاحة به من سدة الحكم، وكذا الأمير ألبير الثاني، حاكم إمارة موناكو.
كنت في ملعب مصر الدولي بالقاهرة الدولي، حيث كانت ستجري مباراة بين منتخبي المغرب وكوت ديفوار، ضمن منافسات أمم إفريقيا شهر يناير 2006، أعد العدة كي أتابع المجريات، عساي أنقل منها ما يصلح للجريدة. وبينما أنا كذلك، في منصة الصحافة، إذا بي ألاحظ وجود شخص معروف، سرعان ما تبينت، بشيء من التدقيق، أنه نجل الرئيس مبارك.
وبما أن الإعلامي يبحث باستمرار عن شيء ينفرد به، فقد قررت أن أطلب منه تصريحا يخص الدورة، ومن يراه مرشحا للفوز بها. وتوجهت توا نحوه، فإذا بشاب مفتول العضلات يحبسني، بأدب، ليسألني عن وجهتي. قلت له إني أريد تصريحا من جمال مبارك. قال لي بأدب مرة أخرى:”أرجو الانتظار هنا إلى أن أحصل لك منه على إذن”. ومن مكان غير بعيد، لاحظت أنه تردد شيئا ما، قبل أن يختار الرد السلبي، بإيماءة فيها الكثير من العجرفة، وكأني به يقول: “ومن هذا البئيس الذي أعطيه، أنا ابن الرئيس، الموعود بالوراثة، تصريحا، أو حتى كلمة؟”.
انتهى الأمر، وتأسفت لذلك. ثم رحت أتابع المباراة، غير عابئ بما حدث، وأنا أتذكر ما وقع لي قبلها مع الساعدي القذافي، ابن الحاكم الليبي، الذي قضى مقتولا، بعد أن هرب من الثائرين، واختبأ في قناة للصرف الصحي.
كانت المباراة هذه المرة تجرى في مدينة أكادير، وتجمع بين الأهلي والحسنية، عن منافسات كأس إفريقيا، وبحضور لاعب عجيب غريب، وهو الساعدي القذافي، الذي يشكل بيت قصيد الفريق الزائر، وعميده، وكل شيء فيه.
كان الفريق الليبي يقيم في فندق كبير بأكادير، وهو الفندق الذي جاء إليه الأشقاء من ليبيا ومعهم خيمة كبيرة، وسيارة فارهة، ودراجة نارية كبيرة، كلها لأجل عيون الساعدي، فضلا عن جماهير جزء منها لم يتسن له متابعة المباراة، لأنه كان يجلس في مدرجات غطي نصفيها بلافتة كبيرة كتبت عليها عبارات تأييد ونصر للقذافي.
فعلت كل ما يتعين علي كي أتصيد لقاء صحفيا مع الساعدي. فلقاؤه مهم أيا كان الحال. غير أن الشاب المفتول العضلات هذه المرة عاجلي من بعيد، فإذا بي أنتظر الرد من الولد المدلل للزعيم الليبي، وأنا شبه متيقن من رفضه.
ومن بعيد أيضا، بدا لي وهو يرفض الحديث معي. فلم يقدم لي مساعده، أو ساعده، أو حارسه الشخصي، أي مبررات، بل قال لي بإشارة من يده إنه لا يريد أن يحاور أحدا. وباءت المحاولة بالفشل، فلم يصدمني ذلك، بل رحت أبحث عن بديل غيره.
وعلى عكس الوريثين غير المتوجين لحاكمي مصر وليبيا، فقد كان الأمير ألبير الثاني، أمير موناكو حاليا، مثاليا في لباقته، وتواضعه، وأنا أتجاسر عليه داخل دهاليز ملعب سان دوني الفرنسي، صيف سنة 2003، حين كان هشام الكروج يخضع لفحص يخص استعمال المواد المنشطة المحظورة.
مر رجب طيب أردوغان من أمامنا مسرعا، وهو محاط بعدد كبير من الحراس الشخصيين، العمالقة. ثم ما أن انتبهت من دهشتي لذلك المرور السريع، حتى وجدتني وجها لوجه مع الأمير ألبير، الذي ابتسم وسلم، فشجعني بذلك على أن أطلب منه تصريحا.
توقف الأمير بلباقة طيبة. وقال لي تفضل. وسألته عن سر حضوره لبطولة العالم لألعاب القوى في ليلتها تلك، وعن سباق الملوك، وهو نهائي 1500 متر الذي توج هشام الكروج، فقال لي إنه كان سعيدا جدا بالحضور، واستمتع بذلك السباق، الرائع.
ثم انصرف الأمير، بحراسة شخصية تكاد لا تبين، من فرط تواضعه، وابتسامته التي لا تفارق وجهه، وتجعله مقربا محببا، عكس “أميري مصر وليبيا”، اللذين لقنتهما الأيام، من ربيعنا العربي، درسا كبيرا في الحياة، فأزاحتهما من طريق الحكم، ذلك الذي يؤتيه الله من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ولكن أكثر الحكام المستبدين لا يفقهون.

التعليقات على حكايتي مع “الأمراء” الثلاثة مغلقة

‫شاهد أيضًا‬

عاجل.. مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019

صادق مجلس النواب في جلسة عمومية، اليوم الجمعة، بالأغلبية على مشروع قانون المالية لسنة 2019…