البصري اقترح إعطائي 100 مليون أنا وبنشمسي

“حكاية صحفية”.. زاوية نسعى من خلالها إلى استعادة وقائع ومواقف مفارِقة أو مفاجئة أو صعبة.. حدثت لصحفيات وصحفيين مغاربة خلال مسارهن ومسارهم المهني. يحكيها كل يوم زميل أو زميلة على موقع “الأول”

كريم البخاري

عندما تعرفت إلى ادريس البصري، عقب إبعاده من وزارة الداخلية في نونبر 1999، وتكررت لقاءاتي به، أصبح يناديني مازحا: “طاراس بولبة”، وكان كلما التقيته يسألني عن والدي، قائلا: “كي داير الحاج.. سلم عليه”.

ما سجلته خلال لقاءاتي بالبصري، هو أن الرجل أصبح، بعد تجريده من سلطاته، مصابا بالبارانويا. كان يتحدث إليك بتلقائية، وفجأة يهاجمك وهو يقول: “وقل ليهم”، لقد كان في حالة نفسية صعبة، وكان يكره الفاسيين بشدة، وأحيانا كان يقول لنا بأنه يكتب مذكراته، لكنه لم يكن يفعل.

في إحدى المرات، وبعدما أمعنت في استفزازه بالأسئلة، وجدته يقول لي: “شفتي انت كون عطيتك شي كادو فعيد العرش كون تهنينا منك”، وكان يقصد الطريقة التي كان يشتري بها صمت بعض الصحافيين.

وفي مرة أخرى كنت أتحدث إليه أنا ومعاذ غاندي، فقلنا له: نحن نسجلك، فأجاب “تا أنا كنسجلكم” وضحكنا. البصري في آخر أيامه أصبح يتقرب كثيرا من الصحافة وخصوصا الصحافة الجريئة.

في 2005 وبعد الحكم علي أنا وأحمد بنشمسي، في قضية البرلمانية حليمة العسالي، بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ و100 مليون سنتيم غرامة، اتصل بي أحد المقربين من البصري  وقال لي: “قال لك السي ادريس يلا ضغطو عليكم راه مستعد يعطيكم 100 مليون”، فأجبته: “ابلغ شكري لادريس البصري.. وأخبره بأننا لسنا بحاجة إليه”.

خلال الحوار الذي أجريته معه ونشر في “لوجورنال”، اكتشفت أن الرجل من النوع الذي لا يحافظ على وحدة الموضوع أثناء حديثه إليك، فهو يتحدث عن موضوع وينتقل إلى آخر، فما عليك إلا  أن تعيد ترتيب كلامه.

بعد تفريغي للحوار، حرصت على حذفه المقاطع التي أفرط فيها البصري في الحديث عن نفسه، وبعثته له كما سبق أن اتفقنا. عندما قرأه أعاده إلينا يوم إقفال العدد “البوكلاج” عن طريق الفاكس، وأذكر جيدا أنه لم يغير فيها شيئا، باستثناء إضافة كلمة جلالة إلى اسم الملك. بعدما أرسل الفاكس اتصل البصري بمعاد غاندي وأكد عليه أن لا يحذف عبارة “صاحب الجلالة”، فطمأنه غاندي، بعدما أخبرني بطلبه، لكني لم أقم بذلك. بعد صدور العدد، هاجمت الصحافة اليومية الفرنكفونية ادريس البصري بشدة، لأنه “تجرأ على الحديث عن الملك دون أن يقول عبارة صاحب الجلالة”، من دون أن تدري بأن الرجل كان حريصا على ذكر الملك بجلالة الملك، وأنني أنا من قام بحذف تلك العبارة.

حلقة الغد مع صباح بنداوود:  يوم أبكت أسئلتي عبد الكريم غلاب