في مقال سابق كنت قد أشرت إلى إمكانية أن يكون لتونس موعد جديد مع شهر جانفي … و هذا ما حدث قطعا …
في الحقيقة لم تكن نبوءة… كان إيمانا راسخا بما يحمله شهر جانفي من لعنات تطال سلطة الحاكمين في تونس … و الحقيقة أيضا أن شتاء تونس الأكثر دفئا… لعلي اغتنم الفرصة لدعاية سياحية أوجهها لشعوب شمال البرد و الصقيع…
و لعنة جانفي أبدية… كمواطن صالح يأبه لشان السلطة في بلدي , رسالتي إلى الحاكمين رغما عن أنوفنا كالتالي ” إما أن تقوموا بإلغاء شهر جانفي نهائيا من كل التقويمات الزمنية و إما أن ترحلوا رحمة بكم ورحمة بأنوفنا ” .
نشيد أول … ذكر فان الذكرى
حتى أعكر صفوكم مرة أخرى و ككل مرة… إلى من لا يشبهوننا و يعكرون صفونا أيضا
جانفي 1978 … صحوة العمال…إضراب عام هو الأول … ” عاش الاتحاد العام التونسي للشغل ” انتصارا لذكرى محمد علي الحامي و فرحا ت حشاد.
جانفي 1984… ذات أيام خبز وطني … رصاص و دماء… و ينتصر شعبي لرغيف الخبز.
جانفي2008 … انتفاضة المناجم و ثورة تطل برأسها … ذكرى مدينة “الرديف” سيدة المدن… و مدينتي
جانفي 2014… ثورة “الهندي” و ليس الياسمين… فلنتجرأ و نحلم … إجهاض و خيبات
جانفي 2016… شعوب لا تموت… و ذلك الفوز العظيم …
نشيد ثان… عندما ينتصر الجوع
بعد إضراب جوع تجاوز الثلاثين يوما , ينتصر قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس من المفروزين امنيا في تحقيق مطالبهم والمتمثلة أساسا في التشغيل . بعد عقد جلسات تفاوضية مع رئاسة الحكومة تم الاتفاق بناءا على محضر جلسة توافقي ممضى من طرف لجنة مساندة الإضراب و رئيس الحكومة حول تسوية وضعيات قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس المقدر عددهم بنحو 774 مناضلا و تشغيلهم في أفق شهر جويلية 2016.
لعل معركة تشغيل قدماء الاتحاد العام لطلبة تونس تمثل انتصارا نوعيا لمناضلي الحركة الديمقراطية في تونس من زاوية الرد على مقولات عجز المنظمات النقابية الشبابية عن إيجاد حلول فعلية و واقعية لفائدة الشباب التونسي . الأكيد أيضا أن ملف تشغيل قدماء اتحاد الطلبة سيعزز بالضرورة تموقعا أفضل للمبادرات الشبابية على غرار ” اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل ” في الساحة الوطنية و يدعم أفاق تركيز ديناميكية جمعياتية مناضلة و ملتزمة بقضايا المجتمع و معبرة عنه.
نشيد ثالث … عن السواد الأعظم من شعبي
رضا اليحياوي… شهيد أخر يزف قربانا لأحلام مليون تونسي معطل عن العمل. الحقيقة أن وفاة رضا اليحياوي متأثرا بصعقة كهربائية خلال احتجاجه على إسقاط اسمه عمدا من قائمة انتدابات بولاية القصرين,ليست سوى تجل لحالة رفض شعبي لكل الممارسات العمومية المندرجة أساسا في ملف الفساد.
في مستوى أخر, وفاة رضا اليحياوي تبرز لنا أيضا حالة يأس عام يعانيها شباب تونس جراء استفحال عديد الإشكاليات الهيكلية في المستويات الاقتصادية و الاجتماعية لعل أبرزها يتمثل أساسا في مشكل البطالة و التي بلغت مستوى 16 بالمائة حسب الإحصائيات الرسمية غير أن الحقيقة تتجاوز بكثير هذا الرقم . جدير أيضا أن نشير إلى أن نسبة الفقر بلغت 25 بالمائة حيث تحتل تونس المرتبة الخامسة في ترتيب الدول العربية الأكثر فقرا.
تمثل وفاة الشاب رضا اليحياوي الشرارة الأولى لانطلاق الحراك الشعبي الاحتجاجي بمدينة القصرين الذي تصاعد إلى مواجهات عنيفة بين شباب المدينة و قوات الأمن مصحوبة بمسيرات احتجاجية مطالبة بالتنمية و التشغيل و اعتصامات قارة في مبنى الولاية و إدارات أخرى . لتتطور الأحداث بنسق متسارع و تنتقل الحركة الاحتجاجية إلى كافة جهات الجمهورية في سيناريو مماثل لأحداث جانفي 2011.
الحقيقة أن هذه الاحتجاجات الشعبية لم تكن مفاجئة من زاوية فشل كل السياسات الاقتصادية و الاجتماعية في إيجاد حلول واقعية و عاجلة لمقاومة آفة البطالة و وضع حد لتفاوت جهوي و طبقي أنهكا عموم الفئات الاجتماعية في تونس.
استطاعت هذه الحركة الاجتماعية أن تحصد اعتراف وطنيا بشرعيتها بعد أن نجحت في هزم الماكينة الإعلامية للائتلاف الحاكم التي سعت إلى تشويهها و تخوينها,الحقيقة أن هذه الحركة عبرت هذه المرة عن نضج جد متطور في مستوى الخطاب و التنظيم مستفيدة أساسا من كل التجارب السابقة.
على صعيد أخر مكنت هذه الحركة الاجتماعية الاحتجاجية من إعادة طرح أم المشكلات للنقاش مرة أخرى, هذه الأخيرة و التي تمثلت أساسا في إشكاليات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و ضرورة إيجاد حلول فعلية و عاجلة خاصة فيما يتعلق بمشكل البطالة. لعل هذه الحركة الاحتجاجية تحيلنا أيضا إلى إعادة تصورنا لمفهوم ” الديمقراطية” وعن مدى شرعية هذا المفهوم في ظل استبعاد المستويات الاقتصادية و الاجتماعية.
أخيرا , جدير أيضا بالاهتمام أن نتساءل عن أفق تطور الحركات الاجتماعية في تونس كتعبيرات مواطنية رافضة تسعى إلى بناء مجتمعي بديل على أنقاض مناول التنمية الليبرالية.
في الختام … قليل من النشاز
في خضم ما تعيشه تونس اليوم من حراك شعبي ينبئ بمزيد من الالتهاب ليكون شتاءا أكثر دفئا تنهمك نخبتنا السياسية الحاكمة في إدارة صراعاتها ,تحالفاتها و مصالحها . في هذا السياق نشير إلى تطور أزمة الشقوق ( جمع شق ) داخل حركة ” نداء تونس” لتفقد صفة الأغلبية البرلمانية بعد موجة استقالات داخل كتلتها النيابية لتنتقل الأغلبية أليا إلى ” حركة النهضة”.
أما فيما يخص التعاطي الحكومي مع ملف الحركة الاحتجاجية الحالية المتسم أساسا بالارتباك و الضعف فقد تمثل في ثلاثة مستويات ,أولاها فرض حظر تجول بكافة الجمهورية لمدة تسع ساعات ليتم تخفيضه فيما بعد إلى سبع ساعات ,أما ثانيها فتميزت بإقرار مزيد تفعيل نفس آليات التشغيل الهشة كمنح التشجيع للبحث عن عمل و عقود التربص المهني , و ختاما إقرار عقد مؤتمر وطني للتشغيل عسى أن يكون ” عصى موسى”.
أخيرا … لي من الأمنيات الكثير…
الاهي.. فقط أمنية واحدة ليسعد قلبي …
أن يصير كل الزمان ” جانفي” ..
لنعكر صفوهم سويا…
التعليقات على تونس..ثلاث أناشيد… نشاز… و أمنية مغلقة